وقال عن أثره قريش: إن قبائل البادية (كانت تنفس على قريش غنائم الولاية ومناصب الدولة وينظرون إليهم نظرتهم إلى القوى المستأثر بجاه الدين والدنيا وحق الخلافة والسطوة).
وقال عن طبقات المسخرين (كان العبيد والموالي والأعراب المحرومون حانقين متبرمين لا يرضون عن حظهم من العيش بعد أن علمهم الإسلام حقوق المساواة وشرع لهم شريعة الإنصاف).
وقال عن جمهرة القراء والحفاظ وأصحاب النسك والفقه والشريعة:(إنهم خلق كثير يعدون بالألوف ويتفرقون في الحواضر والبوادي ولا يزالون كأنبياء بني إسرائيل منذرين متوعدين ساخطين على ترف المترفين).
وقال إن أبا بكر وعثمان كانا يمسكان الصحابة بالحجاز ويحذران منهم أن ينطلقوا في الأرض فيقبلوا على الدنيا، وأن عثمان أهمل هذه السياسة الحكيمة وشق عليه أن يطيل حبسهم بالحجاز والهيمنة عليهم بجواره.
وقال غير ذلك مما لا يخرج عنه سبب واحد من أسباب الفتنة، ولخصها كلها في مرجع واحد وهو افتراق عهد الخلافة وعهد الملك، وأن الموقف كان في خلافة عثمان (ملتبساً. . . متشابكاً؛ لأنه كان نصف ملك ونصف خلافة، أو كان نصف زعامة دينية ونصف إمارة دنيوية. فوجب أولاً أن يتضح الموقف بينهما وأن يزول الالتباس وتقابل الضدان اللذان لا يتفقان - أن يبلغ الخلاف مداه، ولن يزال قائماً حتى تكتب الغلبة لمبدأ من المبدأين وحكم من الحكمين).
هذا بعض ما جاء من عبقرية الإمام عم أسباب الفتنة الكبرى ما تردد في صفحات الكتاب كله في تفسير تلك العوارض الاجتماعية.
فمن الجرأة التي لا توصف إلا بأنها جرأة الجهل، أن يحاول غمر من الأغمار ستر هذه الحقيقة عن الأعين، وهي تعد بعشرات الألوف.
ونحن لا يعنينا الأمر، لأنه لا يضير كتابنا عن عبقرية الإمام؛ فإن عبقرية الإمام لا يحبه كلام يلغط به غمر من الأغمار.