أمن المنون وريبها تتوجع ... فأنشدته حتى أتيت على آخرها
ولا تستبعد حكاية طلب الوليد لحماد فقد كان (حماد) من المقربين للوليد، وقال كان يقصده عند الحاجة فيحصل على هداياه ثم يرجع كما كان يجالسه ويدخل مجلسه. وكان الوليد يميل إلى الشعراء والأدباء وأهل الفن. ويجوز أن يكون فيما ذكره عن (يوسف بن عمر الثقفي) مبالغة إذ لم تكن صلاته بالوليد على الصورة التي ذكرها (حماد): كان على العكس مقرباً لديه طيلة مدة الحكم (الوليد) إلى أن قتل، فغضب عليه (يزيد) وعزله عن العراق ثم قتل بعد ذلك سنة ١١٦ للهجرة.
كان حماد شيطاناً خبيثاً ماكراً يستطيع استخراج ما في القلوب. وكان يمضي وقته بالمداعبات والمهاترات وقول الشعر جاء في العقد الفريد: إنه كانت في أبي عطاء السندي لثغة قبيحة، فاجتمع يوماً في مجلس بالكوفة فيه حماد الرواية، وحماد عجرد، وحماد بن الزبرقان، وبكر بن مصعب، فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: ما بقى شيء إلا وقد تهيأ في مجلسنا هذا. فلو بعثنا إلى أبي عطاء السندي؛ فأرسلوا إليه فأقبل يقول مرهباً، مرهباً هياكم الله. وقد كان قال أحدهم: من يحتال لأبي عطاء حتى يقول جرادة، وزج، وشيطان؟ فقال حماد أنا، فقال يا أبا عطاء، كيف علمك باللغز؟ قال هسن، يريد حسن، فقال له.
فما صفراء تكني أم عوف ... كأن سويقتيها مِنجلان
قال زرادة؛ فقال أصبت، ثم قال:
أتعرف مسجداً لبني تميم ... فويق الميل دون بني أبان؟
قال في بني سيتان، فقال أصبت، ثم قال:
فما أسم حديدة في الرمح ترمي ... دوين الصدر ليست بالسنان
فقال زُزّ، فقال أصبت
وكان حماد كسائر أهل الكوفة يفضل (الأعشى) على شعراء الجاهلية. قال يحيى بن سليم الكاتب:
بعثني أبو جعفر أمير المؤمنين بالكوفة إلى حماد الراوية أسأله عن أشعر الشعراء، فأتيت باب حماد فاستأذنت وقلت: يا غلام! فأجابني إنسان من أقصى بيت في الدار فقال من أنت؟ فقلت يحيى ابن سليم رسول أمير المؤمنين. قال أدخل رحمك الله! فدخلت أتسمت الصوت