للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حتى وقفت على باب البيت فإذا حماد عريان على فرجه دستجه شاهسفرم، فقلت إن أمير المؤمنين يسألك عن أشعر الناس، فقال نعم، ذلك الأعشى صناجها.

وهذه القصة على ما يخيل إلي هي من وضع رواة الكوفة الذين كانوا يتعصبون للأعشى على سائر الشعراء ويقدمونه على الجميع؛ وإلا فقد كان بوسع الخليفة استدعاء الرواية إليه واستطلاع رأيه وأخذ الدليل. وكان أهل الكوفة يتعصبون للأعشى نكاية بالبصريين الذين كانوا يتعصبون لامرئ القيس.

والظاهر أن العباسيين لم يكونوا يعطفون عليه حتى ولا أعوانهم مثل أبي مسلم الخراساني، بل كان الرواية يخاف منهم ويبتعد عنهم كلما استطاع ذلك. كالذي جاء في حديث حماد عن استدعاء أبي مسلم الخراساني له حيث يقول: أرسل إلي أبو مسلم ليلاً، فراعني ذلك، فلبست أكفاني ومضيت، فلما دخلت عليه تركني حتى سكن جأشي، ثم قال لي ما شعر فيه أوتاد؟ قلت من قائله أصلح الله الأمير؟ قال لا أدري. قال فأطرقت حيناً أفكر فيه حتى بدر إلي وهمي شعر الأفوه الأزدري حيث يقول:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهاً لهم سادوا

والبيت لا يبتني إلا له عمد ... ولا عماد إذا لم ترس أوتادُ

فإن تجمع أوتاد وأعمدة ... يوماً فقد بلغوا الأمر الذي كادوا

فقلت هو قول الأفوه الأزدري أصلح الله الأمير، وأنشدته الأبيات، فقال صدقت، انصرف إذ شئت! فقمت، فلما خطوت الباب لحقني أعوان له ومعهم بدرة فصحبوني إلى الباب، فلما أردت أن أقبضها منهم قالوا لا بد من إدخالها إلى موضع منامك فدخلوا معي، فعرضت أن أعطيهم منها شيئاً فقالوا لا نقدم على الأمير. ثم من يدري فلعل الخوف هو الذي أوحى إلى حماد الراوية بهذا الشعر الذي لا يمكن نظمه إلا من رجل حضري على طراز حماد، أو لعل القصة موضوعة من أساسها أن أردنا أن نذهب مذهب الشك في أكثر أقوال حماد.

والظاهر أن إعراض العباسيين عن (حماد) الذي كان يلتجئ إلى الأمويين هو الذي حمله على مغادرة (بغداد) في أيام المنصور بعد أن وفد إليها يلتمس الرزق في قصور خلفاء بني العباس. والظاهر أن الحظ كان قد ابتعد عنه وظل يبتعد عنه ولا سيما في أيام المهدي عدو الزنادقة اللدود. وكان حظ أكثرهم مثل حظ حماد. ويقال إنه سافر بعد ذلك من الكوفة إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>