البصرة حيث كانت له هنالك عصابة ثم عاد بعدئذ إلى بغداد. ولكنه وجد إعراضاً من المهدي ومطاردة فاضطر إلى مغادرة العاصمة إلى أن توفي عام ١٥٥ أو ١٥٦ أو ١٥٨ للهجرة.
مسكين حماد! كلن شاعراً مجيداً من الشعراء المجيدين. وكان ذكياً شاطراً ما في ذلك شك، وكان حافظاً ما في ذلك شك أيضاً؛ غير أنه لم يستغل ذكاءه ولم يستعمل مواهبه في قول الشعر فكان كصاحبه خلف الأحمر ينظم باسم الغير، ويقول الشعر ثم ينسبه إلى القدماء. ولعله كان يجد في ذلك رواجاً أكثر من رواج النظم المنسوب إلى نفسه، وهو رجل يريد أن يعيش كثير من أترابه الشعراء على حساب شعرهم!
لقد كان خلف الأحمر أحسن منه حظاً ولا شك، فقد حفظ الرواة عنه ما لم يحفظوه عن حماد، وذكروا عنه ما لم يذكروه عن زميله حماد. ولم نجد في الكتب من أخبار حماد غير اليسير مع كل المبالغات التي رويت عن محفوظه من الشعر، لقد ذهبت معه إلى القبر فقبرت معه إلى أبد الآبين.
والعادة كما يقول العوام أن تطول رجل الإنسان بعد الموت؛ غير أن رجل حماد ظلت قصيرة، فلم يتبار الناس في رثائه، ولم يعبأ إخوانه على ما يظهر لوفاته، إنهم لا يقيمون وزناً إلا للأحياء؛ أما الأموات فإلى أناس آخرين، فلم يرد مما قيل في رثائه غير ما رثاه به عبد الأعلى بن عبد الله بن خليفة أبو يحيى محمد بن كناسة بقوله:
لو كان ينجي من الردى حذر ... نجاك مما أصابك الحذر
يرحمك الله من أخي ثقة ... لم يك في صفو ودّه كدر
فهكذا يفسد الزمان ويفني العلم فيه ويدرس الأثر.
وحماد هو الذي جمع السبع الطوال فيما ذكره أبو جعفر النحاس والتي يقال لها (المعلقات السبع). جمعها من قصائد كثيرة واختارها من بين الشعر الجاهلي اختياراً، والتي قيل عنا إنها كانت قد كتبت بالذهب وعلقت بالكعبة. والتي شرحها جماعة من الشراح. والتي جاء عنها في (جمهرة أشعار العرب).
(وقال المفضل القول عندنا ما قاله أبو عبيدة في ترتيب طبقاتهم وهو أن أول طبقاتهم أصحاب السبع معلقات وهم أمرؤ القيس وزهير النابغة والأعشى ولبيد وعمرو بن كلثوم