جميعاً أن الإنسانية لم تتقدم منذ عصر قيصر إلى الآن إلا تقدماً آلياً لا ينبغي أن يؤبه له مادام لا يصاحبه التقدم المنشود في المشاعر والاحساسات.
وقد يقال أن ارتباط المسرح بالمجتمع هكذا يجعله (تابعاً) خاضعاً له وبذلك يفقده قوته الإصلاحية المزعومة! ولا جدال في أن هذه التبعية حقيقة ملحوظة بل إنها غير مقصورة على النواحي الفنية والأدبية. فالناحية الأقتصادية أيضاً لا يمكن تجاهلها؛ إذ المسرح يخضع إلى أبعد الحدود لقانون العرض والطلب؛ ولذا يحاول - ما وسعه - أرضاء الجماهير ولو على حساب الفن أحياناً، حتى لقد جاز لناقد كبير مثل وليم آرتشر أن يطالب المؤلفين (بأن لا يضعوا شيئاً جوهرياً في المنظر الأول من الفصل الأول من مسرحياتهم) لغير ما سبب سوى أن الجماهير من طبعها التلكؤ. وقلما تصل إلى مكان العرض في موعده المحدد أي لسبب لا علاقة له بصميم الفن.
فكيف يتسنى للمسرح أن تكون له قوة إصلاحية وهو خاضع على هذا النحو للجماهير التي كثيراً ما تثور على كل إصلاح؟ الواقع إنه على الرغم من كل هذه الاعتبارات وعلى الرغم من أن كل فن مقيد بقيود مختلفة بالمجتمع إلى حد ما فليس هناك فن يمكن أن يخلص من أكبر عدد ممكن من هذه القيود مثل المسرح لسبب صغير جداً هو أن في أوضاعه من المرونة والجاذبية ما يهيئ للمؤلف المسرحي البارع الفرصة لبث آرائه بسهولة. ومهما تكن مخالفة لعقائد المجتمع، فكثيراً جداً ما يستطيع بالإفصاح والإيضاح والإلحاح أن يتغلب في النهاية. إذن فحرية المسرحي ليست منعدمة كما أنها ليست مطلقة ولا مفر له من أن يعمل في حدود ممكنات الفن ومزاج المجتمع ولكن البراعة في الملاءمة بينهما. ومهمته هذه في غاية الدقة والمشقة. فليس أغنى للمجتمع من المسرحيات ذات الآراء الإصلاحية ولكن بشرط أن تتصل به اتصالاً ناعماً ليناً رفيقاً وتفتح له الطريق سهلاً ممهداً وتنيره له إلى حيث تهدف في رضى وطمأنينة.
والمجتمع في مراحل تقدمه لا يكاد يذكر فضل فن عليه كما يذكر فضل المسرح؛ فمسرحيات موباسان وأمثالها في فرنسا، ومسرحيات جوزيف أديسون وأمثالها في إنجلترا، ومسرحيات تولستوي وأمثالها في روسيا، هي من أهم العوامل التي انتشلت المجتمع الأوروبي من نزعات المجون التي كانت مستولية عليه فعلاً. وقل مثل ذلك عن شتى