يصور للمجتمع الكبير في الحياة: نزواته ونزعاته وميوله تصويراً يبرز له عيوبها ويحضه على إصلاحها. وقد تكون لبعض الفنون الأخرى علاقة مباشرة بالمجتمع ولكنها على الأرجح لا تستطيع أن تجاري المسرح في معالجة مشكلاته؛ لأنها إما أن تتناولها من بعيد بالإيماء والرمز فلا تفيد الجماهير أو بالشرح والتفصيل فتبعث الملل فضلاً عن أنه بهذا وذاك تتعارض غالباً مع أصول الفن فيها. أما المسرح فإنه بطبيعته الفنية يقوم على تمثيل (الفعل ورد الفعل) في صورة تتفق مع مجتمع إنساني، بمعنى أن أشخاص الرواية يجسمون المشكلات بشتى نواحيها تجسيماً لا يلزم ما قد لا يتاح له في سائر الفنون. وإنه لمن المعجز أن نجد بالاستقراء بين شتى الفنون في شتى العصور فناً أوثق صلة بالمجتمع من المسرح. بل أكثر من ذلك أننا نجد أن المسرحيات تبلغ أوجها كلما حافظت على هذه الصلة وتهوى إلى الحضيض إذا أغفلتها مهما كانت الظروف والاعتبارات. فبالرغم من أن مسرحيات أرستوفانيس مثلاً كانت أرستقراطية النزعة إلا أنها نجحت في المجتمع اليوناني الديمقراطي لأنها كانت مستوحاة من ذلك المجتمع ذاته. وعلى النقيض أخفقت الروايات الرومانية التي يطلق عليها أو أخفق معظمها. ولو أنها كانت مستمدة من التراث اليوناني العظيم وذلك لأن هذا التراث على عظمته التي لا شك فيها لم يكن معبراً عن العواطف الجياشة في المجتمع الروماني وتكاد تكون الصلة الوثيقة بين المجتمع والمسرح أهم الالتزامات الواجب مراعاتها في التأليف المسرحي لضمان نجاحه. وصحيح أن نجاح أو إخفاق المسرحيات يرجع - إلى حد كبير - إلى براعة المؤلف؟ لأن الصور المسرحية النهائية لها تطور داخلي خاص خاضع له. ولكن الشيء الذي لا جدال فيه أن هذا التطور ذاته يتأثر وينفعل مع التغيرات العامة التي تطرأ على المجتمع. من هنا يرى بل يشترط بعض النقاد على المؤلفين ضرورة استيحاء المجتمع الذي فيه حتى في الروايات التاريخية التي تدور حوادثها في الماضي السحيق ولا تمت إلى حاضرهم بصلة مباشرة. وأغلب الظن أن هذا هو ما حدا بمؤلف مسرحي عظيم مثل برناردشو إلى استهلال روايته التاريخية (قيصر وكليوباترة) ببداية تدور حول المجتمع الإنجليزي الحالي! إذ يخرج الإله حورس من الظلام ويحدث الجمهور عن الإنجليز وعقائدهم وخصالهم مندداً متهكماً عليهم مقارناً في ذلك جميعاً بين الإنسان الحالي والإنسان في العصور القديمة مستنتجاً من ذلك