القول في ذلك وفي الرد عليه في كلامنا السابق عما استدل به معاليه للعنصر الثالث من رأيه.
١٠ - الاعتراض الثاني: إذا كان المولى سبحانه قد عني بالآيتين اللتين استشهد بهما معاليه مجرد تحريم التعدد، ففيم كان الأخذ والرد بإباحته في إحداهما التعدد بشرط العدل، ثم بتقريره في الثانية أن العدل غير مستطاع إطلاقاً، وتوزيع المعنى بذلك بين آيتين وكانت آية واحدة تجزئ في تحريم التعدد وبيان علته وهي عدم استطاعة العدل الواجب. . . وفيم التعبير بمثنى وثلاث ورباع؟!
وقد أجاب عن ذلك بما سبق أن أشرنا إليه من تأويله عبارة (مثنى وثلاث ورباع) بما لا تحتمله ولا يناسب المقام ولا سياق النص؛ وقد فندنا هذا التأويل فيما تقدم بما في الكفاية فلا حاجة إلى تكراره هنا.
كما أجاب أيضاً محاولاً دفع ما يشوب النصوص - على أساس تأويله - من الأخذ والرد وتوزيع المعنى بغير مقتض، بما سبق أن أشرنا إليه في التمهيد من أن المولى سبحانه أراد ألا يجابه العرب دفعة واحدة بحكم تحريم التعدد الذي كان من عاداتهم المتأصلة (فتدرج) معهم في هذا الحكم كشأنه في كثير من الأحكام الواردة لمعالجة نقائض العرب بطريق التدرج. فتحداهم أولاً بما يبيح - في ظاهره التعدد بشرط العدل ثم أبان لهم بعد ذلك أن العدل غير مستطاع إطلاقاً.
وردنا على هذا الوجه من الدفع أن ما ذكره ليس من قبيل (التدرج) في الأحكام؛ إذ التدرج فيها - كما هو مفهوم اللفظ بداهة وكما وقع فعلاً بالنسبة للأحكام الواردة حقيقة على طريقة التدرج كحكم الخمر مثلاً - هو إتيان المشرع بحكمين أو أكثر منتقلاً من التخفيف إلى التشديد، والوارد في التعدد من أول الأمر على رأي معاليه - حكم واحد هو التحريم لأن العدل في ذاته غير مستطاع. ويؤيد ذلك ما افترضه معاليه نفسه من اضطراب النبي والمسلمين وتململهم وجأرهم بالشكوى عند نزول الآية الأولى لعلمهم أن العدل في ذاته غير مستطاع إطلاقاً مما استجاب له المولى - في رأي معاليه أيضاً - بتخفيف الحكم بالآية الثانية بجعله العدل المطلق غير مشروط في الزوجات الموجودات فعلاً وقت النزول، فلولا أنهم فهموا الحكم من أول الأمر على أنه التحريم لما تململوا وجأروا بالشكوى. فليس ثمة