أذن تعدد أحكام تدرجت إلى حكم أخير. أما التعديل الوارد للحكم فيما يرى معاليه فليس تعديلاً دائماً بل موقوتاً. وهو تعديل إلى التخفيف لا إلى التشديد، فأين التدرج إذن؟
١١ - الاعتراض الثالث: أن أحاديث كثيرة قد وردت بأمر النبي لمن كان تحته من الصحابة أكثر من أربع زوجات عند نزول الآية الأولى، بالإبقاء على أربع منهن ومفارقة الباقيات كما وردت أحاديث أخرى مختلفة الألفاظ وتؤول كلها إلى معنى واحد هو أنه عليه السلام طلب من ربه ألا يلومه على اجترائه بما يملك من العدل المستطاع بين زوجاته دون العدل المطلق مما يدل على أن الأول هو المراد بالعدل المشروط لجواز التعدد.
وقد رد معاليه على الأحاديث الأولى بأنها تقضي إلى الظلم بتشتيت بعض الزوجات اللائي كن موجودات من قبل وما قد يكون لهن من أطفال مما يعتبر اعتداء على الحقوق المكتسبة فلا يعقل أن تاتي به شريعة سماوية أو وضعية.
ولو أن معالي الباشا ناقشني في إسناد هذه الأحاديث - والأمانة العلمية تقتضيني أن أصرح بأن في إسناد بعضها مقالاً من رجال الإسناد - لقلت له وجهة نظر وإن كانت مدفوعة كما سأبين ذلك فيما يلي، لكنه اقتصر على مناقشتي في المتن، فأجيبه عن ذلك بأن ليس فيما ذكره ظلم ولا اعتداء إذ لم يطلب إلى الرجال سوى استعمال ما لهم من حقوق سابقة في التطليق الذي كانت الزوجات معرضات لوقوعه عليهن قبل ورود الشرع بتحديد التعدد. فأين هو الحق المكتسب لهن إذن مع وجود حق الطلاق للرجال؟ وإذا قيل أن الطلاق وإن كان حلالاً فهو أبغض الحلال كما وردت بذلك ألسنة فلا ينبغي أن يستعمل إلا عند وجود مسوغاته، رددت على ذلك بأن في مقدمة المسوغات وضع حد لعلاقات دمغها الشارع بالفساد، بتحريمها، ومهما بلغت درجة البغض في الحلال فهي لا تنتقل به إلى مرتبة الحرام، ففي الأمر باستعمال هذا الحق ارتكاب أخف الضررين مما يتفق وعمومات الشريعة. ثم أن شانهن بعد الطلاق كشأن سائر المطلقات في احترام حقوقهن المتخلفة عن الزواج السابق وإمكان التزوج بهن في نطاق أحكام الشرع، كما أن أطفالهن لا يظلمون بفقد شيء من حقوقهم على آبائهم بل تظل لهم كافة الحقوق كما كانت قبل الطلاق. فما هو الظلم في ذلك؟
على أن ما يجري في أوامر النبي المتقدمة يجري أيضاً في أوامر الخاصة بباقي من ورد