جاءوك بذاك جبلة جبلية ... لكن رأيت الفضل عندك ينفق
قالوا خلقت موفقاً لمديحه ... فأجبتهم أن السعيد موفق
هكذا كانت منزلة صفي الدين عند بني أرتق. وكلما زادوه براً زادهم ذكراً، وكلما جادوه عطاء جادهم بقاء، وكلما آثروه قربا آثرهم حبا، وكان لذلك أثره الكبير في إنتاجه الأدبي؛ إذ نظم عدة من القصائد في مدح المنصور سميت (المنصوريات) وهي من أجود آثاره الأدبية: ونظم تسعاً وعشرين قصيدة مرتبة على حروف الهجاء سميت (الأرتقيات). وكأنما أراد بهذه الأرتقيات أن يطلع ملكية على ضرب من فن النظم الشعري جديد، وعلى منزع من منازع الشعر لم يحوم حوله شاعر من قبل ليدله بذلك على ثبات قدمه في صناعته، وعلو كعبه في حرفته، وعلى امتلاكه ناصية الافتنان إلى حد الافتتان.
والأرتقيات بعدد حروف الهجاء فلكل حرف قصيدة. فواحدة همزية وواحدة بائية وهلم جرا. . . والتزم أن يبدأ كل بيت في القصيدة بحرف رويها، وأن تكون عدة أبياتها تسعة وعشرين. وقد يكون هذا الالتزام كله من عبث الصناعة ومن عبث الفراغ. ولكن إذا علمنا أن الشاعر قل أن سقط في بيت منها، بلغنا به حد العجب وشهدنا بمجادته وإجادته بالرغم من كل هذه القيود التي تعلق بها.
والأرتقيات - وإن كانت مسوقة للمدح - بدت مسرحاً لفنون غير المدح عدة، كالغزل والخمريات، والفخر والشكوى. ومن رقيق أبياتها ما صدر به أرتقيته الكافية حيث قال:
كفي القتال وفكي قيد أسراك ... يكفيك ما فعلت بالناس عيناك
كلت لحاظك مما قد فتكت بنا ... فمن ترى في دم العشاق أفتاك
كفاك ما أنت بالعشاق فاعلة ... لو أنصف الدهر في العشاق عزاك
كملت أوصاف حسن غير ناقصة ... لو أن حسنك مقرون بحسناك
كيف انثنيت إلى الأعداء كاشفة ... غوامض السر لما استنطقوا فاك