كتمت سرك حتى قال فيك فمي ... شعراً ولم يدر أن القلب يهواك. الخ
لم يعش صفي الدين في الدولة الأرتقية عيش الشاعر المادح المتكسب، بل تهذيب منزلته، وتوطدت مكانته حتى بلغ مبلغ المشير، وكأنما أصبحت له ضلع في سياسة الدولة وتوجيه ملوكها. تشعرنا بهذا قصائده، فقد رفع إلى المنصور عام ٧٠٢هـ قصيدة بارعة، وكان المنصور قد أرسل جنوده ليحاصروا أعداءه في (قلعة إربل) ولم يرافقهم في المسير إليها. فحرضه صفي الدين في قصيدته تلك على اللحاق بهم ليشد بوجوده أزرهم ويشحذ همتهم، ويكون خوفاً لأعدائه، ومضطرباً بصفوفهم. ومزج في هذه القصيدة المدح بالنصح، والتحريض الجرئ بالتأدب. واستخلص من الحوادث ما توحي به من حكم وأمثال، مع دقة تمثيل وكثرة تشبيه، وتنقل بالفكرة بين حججها وبراهينها، إغراء بالأخذ بها، ومنها يقول:
أبد سنا وجهك من حجابه ... فالسيف لا يقطع في قرابه
والليث لا يرهب من زئيره ... إذا اغتدى محتجباً بغابه
والنجم لا يهدي السبيل سارياً ... إلا إذا أسفر عن حجابه
والشهد لولا السبيل طعمه ... لما غدا مميزاً عن صابه
إذا بدا نورك لا يصده ... تزاحم الموكب في ارتكابه
ويقول:
قم - غير مأمور - ولكن مثلما ... هز الحسام ساعة اجتذابه
فالعمى لا تعلم إرزام الحيا ... حتى يكون الرعد في سحابه
كم مدرك في يومه بعزمه ... ما لم يكن بالأمس في حسابه
ومنها يغريه بأعدائه ويرسم له طريق معاملتهم:
لا تبذل الحلم لغير شاكر ... فإنه يفضي إلى إعجابه
ويقول:
لا تقبل العذر فإن ربه ... قد أضمر التصحيف في كتابه
فتربة المقلع إثر ذنبه ... وتوبة الغادر مع عقابه
لو أنهم خافوا كفاء ذنبهم ... لم يقدموا يوماً على ارتكابه
ويقول في خاتمتها معتذراً عن التحريض، ومنسلاً إلى الفخر بنفسه على عادته: