لم يك تحريضي لكم إساءة ... ولم أحل في القول عن آدابه
ولا يعبث السيف وهو صارم ... هزُّ يد الجاذب في انتدابه
ذكرك مشهور ونظمي سائر ... كلاهما أمعن في اغترابه
ذكر جميل غير أن نظمه ... يزيده حسناً مع اصطحابه
كالدر لا يُظهر حسنَ عقده ... إلا جواز السلك في أثقابه
ولما مات المنصور وولي الملك من بعده ابنه العادل فالصالح، حسنت صلة صفي الدين بالصالح بعد لأي، ومدحه بجملة من الروائع سميت (الصالحيات). وتشعرنا هي الأخرى بسمو مكانته لدى الصالح، بل لتشعرنا أنه كان عنده أقرب وآثر مما كان لدى المنصور حتى سماه صفي الدين بولي نعمته، وتشعرنا أنه كان أكثر دالة عليه، حتى كان في خطابه له أجرأ مما كان في خطابه للمنصور ويشير إلى المنصور في مدحة رفعها إلى الملك الصالح فقال مبيناً سبب ندحه بعد أن كان قد طوى بساط المدح بعد المنصور:
ولقد عهدت إلى عرائس فكرتي ... ألا تزف إلى منعم بعده
لكنك الفرع الذي هو أصله ... شرفاً ومجدك بضعة من مجده
ونجيه في سره ووصيه ... في أمره وصفيه من بعده
ويقول منها:
لله كم قلدتني من ملَّة ... والقطر أعظم أن يحاط بعده
ويقول:
فاستجل دراً أنت لجة بحره ... والبس ثناء أنت ناسج برده
يزداد حسناً كلما كررته ... كالتبر يظهر حسنه في نقده
وقد عاود صفي الدين النصح للصالح كما كان ينصح لأبيه من قبله، ويحرضه على أعدائه ويلحب له الطريق إلى المعاملتهم ويجنبه الحلم والعفو، فيقول من قصيدة:
فيا ملكاً قد أطمع الناس حلمه ... لكثرة ما تهفو فيعفو ويصفح
أعد - غير مأمور - على الضد كيده ... وأذك النار التي بات يقدح
فقد أيقن الأعداء أنك راحم ... فباهوا بأفعال الخنا وتبججوا
ويقول منها: