العقل نهاية ولا يبلغ منه غاية! ويلوح أنك عليم خبير بكل دقيقة في هذا الوجود!. وها هي ذي أحجاري الثمينة التي أعتز بها، وأهتز زهواً لها! فدعني - بربك - أعلم أيها أعظم - في نظرك الثاقب - قيمة وأكرم معدناً. .) فأجابه الحكيم هازئاً:(هلا أنبأتني يا مولاي أي واحدة تحسبها أثمن هذه الجواهر وأكرمها؟)
فانتقى الملك من بينها جوهرة تتألق جمالاً وتفيض بهاء. . ومد يده بها إلى الحكيم وهو يقول (إن هذه - أيها السعيد الجليل - تبدو لي أشد حسناً وأرفع قيمة!. .)
فتناولها (الحكيم الإغريقي) وراح يفحصها بين أنامله ويقلبها في راحته، ثم أدناها من مسمعه، وأصغى برهة إليها! ثم قال في صوت هادئ رزين:(يخيل إلي يا مولاي. . أن هذا الحجر يضم في جوفه حشرة حية!. .) فأمر الملك - مستغرباً: - بالجوهرة أن تكسر في رفق!. . فخرجت منها أمام ناظريه - دودة تسعى!
فزاد دهش الملك وعظم إعجابه بحكمة الإغريقي، وعقله الفذ وعلمه العجيب. . وأمر بأن يقدم له - في سجنه - رغيف كامل كل يوم!. .
وانسلخت أيام وانقضت شهور، وكان الشك لا يفتأ ينتاب الملك، والظنة لا تبرح تراوده بين حين وحين في نسبه إلى أبيه!. فأرسل في طلب الحكيم، وقال له:(أيها الرجل العليم. . . أن بلاءك اليوم لعظيم. . أريدك على أن تخبرني إبن من أنا؟ ّ)
فأجابه العجوز - مظهراً الدهشة - في صوته الهادئ وحكمته الرزينة:(يا مولاي. . إن هذا لعجيب! لا ريب في أنك إبن سلفك الملك العظيم. . والدك!. (فصاح الملك حانقاً في غلظة: (إياك والمراوغة من سؤالي: أخبرني الحقيقة وأنت آمن! فإن خالجك تردد، فسوف أضرب عنقك كخائن حقير!)
فأجابه الإغريقي:(إذن يا مولاي! لا تثريب علي ولا حرج، أني أخبرك أنك سليل خباز!) فدخل الملك (فيليب) على (الملكة لوالدة). . قلقاً ظامئاً إلى جلاء الحقيقة. . وهددها وشدد النكير عليها. . فاعترفت له بأن الحكيم لم يتجاوز الحق فيما قاله!.
حينئذ بلغ إعجاب الملك بالحكيم حداً عظيماً، فاحتبسه معه في غرفة بمنأى عن القوم - وقال له:(يا سيدي الجليل!. . لقد تجلت لي آيات بينات من علمك، وبراهين ساطعة على قدرتك! وقد حان أن تكشف لي النقاب عن سر معرفتك بها وحكمك عليها!. .)