الفيروزي الأنيق قد خرج من محل الخياط اليوم؛ وشنطة يدها اللازوردية المعلقة على كتفها قد تدلت في فراغ الخصر واستقرت على الجانب؛ وشفتاها القرمزيتان قد انفرجتا عن ثغرها الشتيت لتلقي التحية ثم تواصل الحديث. وكانت الجوقة حينئذ تعزف لحناً رقيقاً رفيقاً ينسجم مع شحوب الضوء وهدوء المكان ونشوة الجلاس، ولكنها جعلت الموسيقى دبر أذنها وفضلت أن تتكلم على أن تسمع، فأخذت تناقلني على الطعام شهي النوادر وطلي الأخبار حتى جرها الحديث إلى أنشودتها الغرامية المعتادة، فعطفتها برفق إلى حديث يوم الأحد الماضي وسألتها: لعلك في هذا الأسبوع قد وجدت النور الذي تفتقدين، والسلام الذي تنشدين!
فقالت وهي تنغض رأسها إلي: أي نور وأي سلام وقد شد الله عضد شيطاني بشياطين أخر؟ لقد وجدت في بنت أختي وأترابها من الإغواء ما يضل العابد بلفظه، ويفتن الراهبة في لحظة!
فقلت لها: إذن لا بد من الرجوع إلى العزبة.
فقالت: أرجع إلى الوتد والحبل؟ لا يا سيد سيجان! دعني بربك أجرب حظي مع الذئب!
لم أكن بعد ذلك في نصيحتي لبلانكيت إلا كمن يرقم على ماء أو ينفخ في رماد، ففوضت أمرها إلى الله ثم افترقنا على غير ميعاد.