للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعمله فإدوار مثال الرجل الذي يقيس فكره على قدر عمله. وإذا كان سلافان مثال الرجل الساخط على وجوده فإدوار مثال الرجل الراضي عن وجوده. وإذا كان سلافان مثال الرجل الذي يزداد انحداراً كل يوم، فإدوار مثال الرجل الناجح الذي يزداد كل يوم صعوداً. إدوار هو على الجملة صورة حية للمجتمع الحديث. هو الرجل الذي تخضع حياته لنظام لا يحيد أو لا يكاد يحيد. هو الرجل الذي يترجم جميع أفكاره إلى أعمال، وجميع دوافعه ونوازعه إلى مصالح. هو الرجل الذي تنسجم رغباته مع واقع الحياة، حتى لتحار أيهما يستجيب للآخر. . . أهو يكيف وجوده طبقاً لواقع حياته، أم هي أحداث الحياة تنساق مع رغباته؟ يصرف سلافان من مطعم كانا يترددان عليه وكأنه يحس فيه ضعفاً وعجزاً عن المضي في تيار الحياة الزاخر، فيود لو يسنده بذراعه القوية؛ ليزداد التذاذاً بقوته. . . ويقبل سلافان - بعد تردد - هذه اليد الممدودة إليه، ويبذل له الصديق من جاهه ومالهن ويقبل سلافان هذه الهبات أيضاً، ولكن على حساب كرامته وكبريائه، حتى إذا ضاق صدره بعد سنين طوال من هذه الصداقة غير المتكافئة، ثار على ما ألقى فيه من عبودية، وفارق صاحبه فراقاً غير جميل.

والقصص الثلاث الأخيرة تصور صراع سلافان لتحقيق فرديته، فإنه لم يحدد بعد مطلبه من الحياة، وإنما كانت نفسه أشبه بصندوق رنان، كل عمله أنه يضخم الذبذبات التي تصل إليه من الخارج: ولكنه قد بدأ يحس نزوعاً إلى إكمال نفسه، فصاحبه يقول له قبل أن يفارقه: (ما بك؟) فيجيب: (بي كل ما ليس بي. . . أشياء لا تستطيع أن تمنحني إياها يا إدوار. . . السلام. السعادة. روح خالدة. الله.)

(البقية في العدد القادم)

شكري محمد عباد

<<  <  ج:
ص:  >  >>