وحدهم، ولا مشكلة هؤلاء المثقفين الممتازين بوجه خاص، بل مشكلة كل من يتغلب فيهم جانبا الفكر والوجدان على جانب العمل، وطبيعي ألا يبلغ هؤلاء جميعاً رتبة العبقرية. والأمر الثاني أن القصة والأدب على العموم اتجها وجهة شعبية منذ ظهر المذهب الواقعي في الأدب واتخذ موضوعاته من الحياة العادية، حياة الناس العاديين. لم يبق الأدب تصويراً لحياة الأبطال وصراعهم، بل أخذ أشخاصه من زحمة الحياة العادية التي تعج بصنوف المآسي والمساخر. ولعل هذا هو الأمر الخالد للمذهب الواقعي في التراث الأدبي الإنساني، فما أظنه قد اصبح في استطاعة الأدب في حاضره أو مستقبله أن يترفع عن مشاكل جماهير الناس مهما تكن طبقتهم أو ثقافتهم أو نحلتهم، ولا أن ينتزع العواطف الإنسانية من مجالها الطبيعي، ليضعها في إطار من العظمة المصنوعة. وقد ظهر المذهب الطبيعي وعميده زولا بعد المذهب الواقعين فزاد هذا الاتجاه الأدب الفرنسي الخالد، وهو في الوقت ذاته دقيق الإحساس بالمشكلة التي يعالجها حين يختار بطله نكرة من النكرات، أو كما يقول هذا البطل عن نفسه:
(رجلاً لا يختلف في شيء عما ألفه الناس، رجلا يشبه كل الرجال إلى حد مخيف!)
ظهرت قصتنا - وهي الأولى من مجموعة سلافان - سنة ١٩٢٠، ثم تلاها (رجلان) سنة ١٩٢٤، و (يوميات سلافان) سنة ١٩٢٦، و (نادي ليونيه) ١٩٢٩، وأخيراً (كما هو) ' سنة ١٩٣٢. حلل ديهامل في القصة الأولى عناصر التناقض بين الفرد ومجتمعه، وبين واقع الفرد وآماله، وبين أفكاره وأعماله. صور ذلك كله منعكساً على ذهن سلافان فهو لا يقص أحداثاً، بل أفكاراً بلغت من قوتها وتمكنها مبلغ الأحداث؛ فهي أحداث بالنسبة لصاحبها، وهي مغامرات حقهتمسك أنفاسك وأنت تقرؤها. . . أحداث هذه القصة لا تعدو أن سلافان يفصل من عمله على أثر حادثة يعدها الناس حمقاً منه وشذوذاً، ويراها هو عملاً ضرورياً يرد إليه ثقته بأنه إنسان يعيش بين أناس. وليس بعد ذلك إلا البطالة والتشرد والفاقة، وأحلام الحرمان، وأوهام القلب الوحيد.
وفي القصة التالية (رجلان) نرى سلافان الصديق. . . نراه في ضوء تلك الصلة النفسية العميقة التي تكشف من أسرار النفوس ما لا تكشفه الأفكارولا الأحلام ولا الأوهام. وصديقه رجل لا يشبهه في شيء من الأشياء، إذا كان سلافان مثال الرجل الذي لا ينسجم فكره