العراق ليس له أدب عنوا بذلك أنه لا يملك أدباً فنياً مزدهراً.
والحقيقة أن العراق - ككل أمة حية - لها أدب، ولكنه لم يكتمل بعد أساليبه الفنية، وأن الرواد الأولين عند ابتداء القرن العشرين ليذكرون بالإجلال والاحترام لا لأنهم ارتفعوا بالأدب العراقي إلى منزلته العليا، ولا لأنهم أصابوا حظاً عظيماً من التجديد، بل لأنهم عبروا عن الجيل الناشئ، وواكبوا الشعب العراقي في قصة نضاله، وسجلوا آثاره وعواطفه وانفعالاته. ولم يتأخروا عن قافلة الحرية السائرة.
والعراق قريب عهد بنور الحضارة، وقريب عهد بنور الحرية وقريب عهد بنصر النضال والكفاح في سبيل السيادة الوطنية، والاستقلال الذاتي. وما زالت صور الاحتلال العثماني البغيض وتعسفه المؤلم، وأصداء الثورةالعراقية ترن في الآذان، ولا زالت قصة الكفاح لنيل الحقوق كاملة، والاستمتاع بالحياة حرة، والإنعتاق من القيود والأصفاد قصة الشعب العراقي المتكررة الباقية المعادة.
والعراق بلد الثورات والانتفاضات، ومهد الحرية الفكرية في عصر الإسلام الذهبي؛ والعراقي عابد الحرية والاستقلال أبداً لأنه مجبول على الاستمتاع بها، والتضحية لأجلها. وتأريخ العراق سلسلة من الثورات الداخلية والخارجية، وسلسلة من التمرد والتحرر من الوضع القائم. وقصة الشكاية قصة الشعب العراقي التي ستبقى خالدة سرمدية، يشتكي من السلطان، ويشتكي من الطبيعة، ويشتكي من الحياة، ويشتكي من الناس جميعا. ولن تنهى هذه الشكايات لأنها لازمة من لوازم طبعه أو التأمين على حياته.
فمنذ عهد مغرق في القدم كان العراق بركاناً للثورات، وناراً مضطرمة الأوار، لا تخمد نار ثورة إلا لتقوم ثورة أخرى؛ ففي العهد الإسلامي لم يهدأ في حقبة من الحقب ولم ينل منه الاستقرار أي منال. والخلفاء العباسيون لم يستطيعوا على رغم قوتهم ونفوذهم، وامتداد سلطانهم أن يهيمنوا على الوضع، ويسكتوا لهيب النار، فما فتأت الثورات تتوالى، والتمردات تتعاقب، وتراخى الزمن يزيدها عظمة واتساعاً.
والحال كانت أعظم اضطراباً، وأشد نكاية، وأكثر تلهباً عندما زال نفوذ العباسيين، واضطر حبل الأمن، وتناهبت الإمبراطورية الإسلامية أمارات، ودولة نشأت في بقع مختلفة، واشتد النزاع فيها على السيادة السياسية والفكرية، وطال الصراع ولم ينته إلا باجتياح العثمانيين