للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الإمبراطورية المقطعة الأوصال الكثيرة الاضطراب.

والعهد العثماني مظلم كئيب، سارت فيه المأساة بخفوت وصمت، وامتلأت النفوس غيظاً، والقلوب حقداً على الترك المحتلين، ومقتاً لهم، وحباً للتخلص من تعسفهم وظلمهم. . . ولم يسكت العراق عما يجول في ضميره، وعما يضطرم في قلبه من نوازع الحرية، ودوافع الثورة وما أنفك يطالب بالإصلاح ويعلن سخطه على الولاة الظالمين.

وفي العهد الوطني لم يسكت العراقيون، وظلوا يطالبون بالحقوق، ويلهجون بالاستقلال التام، ويتحرقون للعدالة الاجتماعية والديمقراطية الصادقة. والحكومات تتوالى والوزارات تتبع الواحدة الأخرى، والشعب دائب على إعلان السخط. .

فما سبب كل ذلك؟

ما علة التمرد الطويل، والتقلب الدائم، والسخط المستمر؟

من الشائع المفهوم أن للبيئة الأثر الأكبر في تكوين مزاج الفرد، وتلوين نفسه وتمييز طباعه.

فلننظر إلى الطبيعة العراقية لنستشف من خلالها طبائع العراقيين، وأمزجتهم الخاصة، وطابعهم المميز لهم.

الجغرافيون يقولون: أن طبيعة العراق متقلبة لا تثبت على حال، ثائرة لا تستقر على منوال. . . فهو بلد قاري متغير الطقس تغيراً سريعاً ملحوظاً: قارس الشتاء، حاد القيظ، وشمال العراق متوج بجبال عالية تكللها الثلوج، وجنوبه مكتنف بصحراء واسعة جافة، حمراء الرمال، كثيرة الزوابع فكثيراً ما تهب الرياح حاملة معها رمالاً مزعجة حمراء.

في هذا الجو الغاضب المتقلب يعيش العراقي. فماذا يكون مزاجه وطبائعه؟

فلا بد من أن يتقلب كما يتقلب جوه، ويتلون كما تتلون بيئته، ويثور كما تثور صحراؤه وتصخب.

واصطبغ الأدب العراقي الصميم - منذ عصور ازدهاره - بصبغة التمرد على الحياة، والضجر من الطبيعة، والتأفف من الناس. وهذا ما نقرأه في شعر العراقيين الذين يمثلون الطبيعة العراقية، ويستجيبون لوحي البيئة والمحيط. . . وتلك الصرخات الداوية في الشعر العراقي العباسي ما هي إلا استجابة للبيئة. والشريف الرضي والمتنبي جبلان شامخان

<<  <  ج:
ص:  >  >>