عواطفهم بالكلام الذي ينمقونه ويزوقونه ليكون مخالفاً لكلام سائر الناس، ومن السهل أن نتصور حلقة من هذه الحلقات البدائية المقدسة، فنتصور إنشاداً وغناء وتوقيعاً وتصنيفاً ودورات متعددة مقسمة بين الكلام والحركة، ففي هذه الحلقات كان الرقص والغناء والموسيقى تعبيرات عن العاطفة عامة وعن العاطفة الدينية خاصة.
فالطفل في المرحلة الأولى من طفولته لا نستطيع أن نعتمد غي إيقاظ ذوقه الأدبي إلا على الناحية العاطفية والرقص والغناء والموسيقى نافعة في تكوين الذوق الأدبي لا بد أن ننتقل من الرمزية الحركية إلى الرمزية الكلامية أي إلى إنشاد وإلقاء وغناء، فالأناشيد الجمعية المغنية والموقعة على الموسيقى نافعة جداً في هذه المرحلة. وأن يقظة الذوق الأدبي عن طريقف النثر صعبة حتى في الكبار، فليست لنا وسيلة لهذه اليقظة الأدبية مع الصغار إلا بالأناشيد والموسيقى وأختيار العبارات الانفعالية الراقصة.
ثم قال الدكتور: إن طبيعة الطفولة طبيعة أدبية، فالطفل يقول لأمه أحبك كما يقول الشاعر لحبيبته، بل الطفل أرقى أحياناً من أبن أبي ربيعة الذي أحب الرباب (عدد النجم والحصى والتراب) وأحب الطفل لأمه (قد السكر وقد العسل والشكولاته؛ فالطفل أديب بطبعه وذوقه والمعلمون يفسدون عليه هذا الذوق. وهو يخاطب الجماد ويناجيه، فالطفلة تخاطب دميتها ويخاطب الطفل كلبه ويكلمه ويسأله ويجيب عنه، كما يخاطب الشعراء الديار والأطلال. وكلاباريد يقول: إن الطفل وهو يلعب يحلم وعيناه مفتوحتان، والشاعر إذا شعر كان في شنبه غيبوبة، والشاعر الحالم أرقى الشعراء. ولكن هذه الفنية الأدبية في الطفل لا تلبث إن تختفي بعد الثامنة لاشتغاله بالقيم اللغوية في الألفاظ ولهجرة اللغة الحرة الطبيعية التي نشأ عليها إلى لغة كلاسيكية ليس في قاموسه منها الا قليل، والمأزق هنا ضيق ليس فيه الا منفذان، إما ضياع القيم الوضعية للغة، وإما ضياع اللغة الأدبية للطفولة التي لا يعبأ فيها بالقيمة اللغوية، والمعلم اللبق من يستبقي لغة الطفل فيعد لها بدل أن يميتها ويميت معها كثيراً من العواطف والأحاسيس اللغوية والتصورات الفنية.
الشعر بين حاضره ومستقبله.
استمعت مرة اخرى يوم الجمعة الماضي إلى الأساتذة شوقي أمين وكامل عجلان ومصطفى حبيب، يتحاورون في إذاعة الشرق الأدنى العربية، وكان موضوع الحوار (الشعر العربي