بين حاضره ومستقبله) وقد اختلفت آراؤهم ونظراتهم إلى حالة الشعر الحاضرة، فعجلان يحمل على شعرائنا الأحياء حملة شعواء ويقول إنه قلب نظره بين الشعراء بعد شوقي فلم يجد نفسه إلا ملتفتاً نحو شوقي، حتى يقول إن شوقي هو ماضينا في الشعر وحاضرنا والمستقبل غيب. ويرى أن شعراءنا لم يكونوا هم أصحاب السبق في تصوير حياتنا وخوالجنا وآمالنا في الفترة الحاضرة، وأن موقفهم يكاد يكون موقف المتخلف عن الركب.
وينكر شوقي أمين أن ترمي قرائح الشعراء بالعقم أو بعده، ويرى أن شوقي بمكانته التي نالها كان من عمل الظروف الخاصة به، ولو أتيحت هذه الظروف أو أشباهها لغيره من الشعراء لرأينا شوقيين كثيرين، ويتخيل أن المجتمع الأدبي كأنما أراد حداداً على شوقي فلم يفسح المجال لشعرائنا المعاصرين كي يغنوا غناءه ويقوموا مقامه؛ ويقول إن واجبنا هو أن نتيح لناشئتنا مختلف المناهل الثقافية والأدبية، ونمهد لكل ذي نزعة أن يجد له متنفساً، وبهذا التيسير والتمهيد تتكشف العبقرية ويظهر العبقري، وسيشق لنا ذلك العبقري أفقاً نتطلع إليه معجبين، وترى فيه المثل الأعلى.
ولا يرى حبيب أن الظروف وحدها أو الطبيعة وحدها تستطيع أن تخلق شاعراً نابغاً وعبقرياً، بل ثمة عوامل أخرى ترجع إلى الهبة أولا ونفاذ البصر والبصيرة ثانياً هي التي تعين على خلق الفنان. وليست البطولة العبقرية وقف على الأبهة والعظمة، فكثيرون من الأبطال شعراء وغير شعراء قد ذاقوا مرارة المنبت وعاشوا حياتهم في شظف، ومع ذلك تركوا تراثا خالداً من الأدب والمجد. ويقول لعجلان: أنت تتحامل على الشعراء، فما زلنا نقرأ لمحات من الحياة في شعر أبناء هذا الجيل، ولعلنا نظلمهم إذا قلنا إنهم متأخرون عن السابقين لأننا في مثل هذا الحكم نصدر عن مقاييس فرضنا فيها الثبات، مع أن المقاييس تتغير والحياة تسير، حتى إن معظم الشعراء والأدباء الآن ما يزالون ينسجون على منوال الأعصر الحالية في الشعر والأدب، ولذلك فإن إنتاج قرائحهم لا يملأ نفوسنا نحن الشباب، والناس يريدون أن يسمعوا شيئاً عما جد في الوجود وأثره في الحياة، فاعذروا الشعراء إن هم لم يصادفوا هوى في نفوس الشيب لأنهم يستحدثون، ولا في نفوس الشباب لأنهم لم يبلغوا بهم ما يريدون والذنب ذنب العصر لأنه لم يستقر.