إذا تحركت وتبعت الوحدات في تنقلاتها احتاج الأمر إلى استخلاص نوع من الحمام المدرب الذي اعتاد اكتشاف طريق برجه ولو تغير موقعه. وهذا النوع من الحمام إذا رُبي وأحسن تدريبه يكتشف أبراجه في دائرة قطرها عشرون كيلومتراً مهما تبدّل أو تغير موقع الأبراج.
وتعلق الجيوش كما قلنا أهمية خاصة على هذا النوع الممتاز من الحمام لأنها تعتمد عليه في إنقاذ حالات لا تجدي فيها الوسائل العادية؛ إذ يرجع إليه الفضل في الحربين العالميتين الأولى والثانية ووسط قوات متحاربة تملك غاية ما أوجده العقل البشري من وسائل الاتصال، يرجع إليه الفضل في تغيير خطة عسكرية أو تقديم موعد هجوم حاسم أو تأجيله. وكم من وحدات انقطعت عنها النجدات وتعذر عليها استعمال اللاسلكي لئلا تفضح أماكن تجمعها، أنقذها الحمام الزاجل!!
الحمام الزاجل في الجيوش الإسلامية:
ويعتبر استعمال الحمام الزاجل من وسائل المخابرات التي أحكم أمرها في أنظمة الجيوش الإسلامية وخصوصاً في مصر أيام استقلالها؛ إذ كانت لها اليد الطولى في هذا المضمار: وكانت قلعة القاهرة المحروسة مركز الإرسال والوصول للمكاتبات التي يحملها الحمام الزاجل: وكان يربى في أبراجها نوع ممتاز من الحمام أطلق عليه اسم الرسائلي لاتخاذه من فصيلة أعدت لحمل الرسائل السلطانية التي كانت توضع في داخل أنابيب من المعدن الخفيف أو في داخل أكياس من الحرير.
وتفنن كتاب ديوان الإنشاء بقلعة مصر في أسلوب هذه الرسائل وبلاغتها وجعلها في منتهى الاختصار لنقل ما كانوا يريدون إيصاله من المعاني، بل حرصوا على اختيار نوع الورق الذي يكتبون عليه رسائلهم ليخف وزنه على الطائر.
وانتهى بهم الذوق إلى إكرام الحمام الناقل للبشري بتولية السلاطين أو الحمام الحامل لأنباء الظفر والانتصارات في المعارك فكانوا يطوقون جوانبه بالمسك والعنبر والروائح العطرية، كما كانوا يتعمدون طلاءه بالسواد إذا نقل أخبار الهزائم والوفاة.