حينما هوجمت مصر مرتين من الشمال بالجيوش الصليبية الأولى أيام السلطان الملك الكامل بن العادل الأيوبي، والثانية أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب، وهي حوادث أفزعت العالم الإسلامي، كانت أسراب الحمام الزاجل تنقل أخبار المعارك وشدتها فيقع كل طائر منها على أبراج القلعة وهو مجلل بالسواد دليلا على حمله للأخبار السيئة التي يعانيها المسلمون في دمياط وميادين القتال.
وكانت القاهرة تقوم لها وتقعد ويكثر الابتهال إلى الله إذ يهرع الناس إلى المساجد لإقامة الصلوات.
ولما انتصر المصريون وأمراء مصر نزل الحمام الزاجل على أبراج القلعة مطوقاً بالعطر والمسك والزعفران ينقل بشرى زوال المحن والمصائب وأنباء الانتصارات الحاسمة المتتالية: هذا ما سجله التاريخ للحمام الزاجل.
ويظهر أن الإفرنج كانوا يجهلون أمر هذا الحمام بدليل ما ورد في تاريخ حصارهم لمدينة القدس قبل فتحها؛ فقد بعث قائد القوات المصرية المحاصرة_وكانت من جنود الدولة الفاطمية_طائراً لنقل أخباره إلى خارج المدينة فلم يلتفت إليها الإفرنج لولا أن جاء من أعلمهم بأن الطير ينقل الأخبار فتربصوا به وأطلقوا النشاب عليه فأصابوا الطير، ولما وقع عثروا على القصاصة المراد إرسالها فتنبهوا إلى خطورته، وضيقوا الحصار على المدينة حتى فتحوها.
الحمام الزاجل وآل سلجوق
كانت دولة آل سلجوق من أعظم دول الأرض، وكان لحمام الزاجل معروفاً قبلها، ولكن في عهدها أدخلت أنظمة شبكات الخطوط الرسائلية في أنحاء هذه الإمبراطورية المترامية الأطراف؛ فإليها يرجع الفضل في جعل تربية الحمام وتنظيم استعماله فناً من الفنون اللازمة للدولة. وهذا كغيره من مستحدثات السلاجقة الذين لهم الأيادي التي تزال خافية. وعنهم أخذ نور الدين الشهيد بن زنكي هذا النظام السلجوقي فأحكم أمره في الشام ثم انتقل إلى آل أيوب فكانوا أول من أتقنه وأحكمه بأبراجه وأسرابه في مصر ثم بلغ منتهاه في العصور التالية.