أفتتن القدماء بالحمام الزاجل بعد أن رأوا نفعه، فأصبحت لهم دراية بتربيته والعناية به، وكانوا يقسمونه على حسب لونه وعدد الرياش المعتبرة في الأجنحة والأذناب، وفرقوا بين الذكر والأنثى؛ فجعلوا لكل عملاً خاصاً به، وصنفوا الطير، فميزوا بالفراسة ما لمسوا نجابته من صغره، واختاروا الزمان والمكان الملائمين للأفراخ، وهي أمور لم تصل إليها الجيوش الحديثة التي تربى الحمام الزاجل الآن.
ويبالغ المؤرخون فينسبون إلى أن القدماء جعلوا للطير أنساباً كأنساب الخيل، وألفوا الكتب فيها وفي أعمال الحمام الزاجل وبطولته، فنسبوا إلى خلفاء العباسيين والفاطميين أنهم دفعوا أثماناً باهظة ثمناً له، وأن ملوك الروم كانوا ينافسونهم في ذلك. فمن قبيل المبالغات أن الحمام المصري بدمشق نقل بعض أنواع الفاكهة النادرة في الشام لمصر أيام العزيز بالله ثاني خلفاء الفاطميين، أو ما ذكروه عن الطير الذي قطع المسافة بين القسطنطينية وبغداد مرة واحدة؛ إذ يندر أن تعرف الحمامة أما كنها إذ زادت المسافة عن عدد معلوم من الكيلومترات قلما يتعدى العشرين أو الثلاثين؛ كما أن سرعة سفرها محدودة ومعلومة فلا يصح أن ينسب إلى الطير مالا يصدقه العقل.
نظام القدماء في نقل الرسائل:
قلنا إن الدولة السلجوقية هي التي أتقنت نظام شبكات الحمام الزاجل لأحكام طرق الاتصال ونقل المخابرات بأسرع الطرق، وكانت الدولة المصرية في العصور الإسلامية قوية الجانب تحكم مساحات واسعة من أراضي آسيا تمتد على نهر الفرات وتصل أحياناً إلى دجلة، وكانت تسيطر في الشمال على منطقة عسكرية تحيط بها القلاع والمدن المحصنة. فكان من أول ما اهتمت به الدولة إحكام المخابرات مع هذه المناطق فاستعملت طرق البريد السريعة وإيقاد النيران لنقل الإشارات بين القلاع وبعضها ثم أحكمت نظام الحمام الزاجل.
ويعود الفضل في تنظيم المخابرات وتلقي الحمام الرسائلي إلى شبكة الأبراج ومحطات الإرسال المنشأة بين العاصمة والأماكن المختلفة وأهمها قلعة دمشق وقلعة حلب. وكانت أبراج القلعة بمصر نقطة مركزية تتلقى الحمام من دمشق وأسوان والإسكندرية على