للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ثم إني لا آمن إذا دخلت بيتاً، وجلست في غرفة تخلو من العرائس، أن يدخل علينا طفل يلهو بعروسة في يده، وعندئذ يحدث لي هذا الخوف الذي يبلغ حد الفزع، فأستاذن في الحال وأصرف، وأنا في موقف شديد الحرج بالنسبة إلى نفسي وبالنسبة إلى صديقتي.

ثم تصور أن أي أختا تكبرني سنا، وهي متزوجة وذات أطفال، وقد حرمت على نفسها شراء العرائس لأبنائها حتى تيسر لي زيارتها، وتستقبلني في دارها. فانظر مبلغ العنتْ الذي كنت سببه. . .

قلت لها لعل هذه العرائس قبيحة المنظر، تخيف حقاً، فهي لذلك تبعث الرعب.

قالت: الغريب أن العروسة كلما زادت جمالاً، ازددت خوفاً. فالتقطت منها هذه الكلمة، أعني (العروسة الجميلة)، وقلت في بالي هذا مفتاح أعلم منه سر نفسها. ثم ذهبت ألاحقها بالسؤال عن ذكريات الماضي وعهد الطفولة، إذ كانت العقد النفسية تتكون في الصغر بل الصبا المبكر.

قالت إنها لاتذكر متى بدأ خوفها من العرائس، ولكن أهلها يقولون إنها وهي طفلة صغيرة جداً تخاف منها. وأقدم ذكرياتها التي تعيها، أنهم كانوا يضعون تمثالاً من الجبس على هيئة امرأة ملاءة سوداء فوق الشباك بالقرب من سريرها وكانت رؤية هذا التمثال تفزعها وتبعث في خيالها وتبعث في خيالها أشنع الأوهام.

وهذا كله معقول، فالطفل الصغير قاصر الإدراك، وقد يكون أصل هذا الخوف ومبعثه إيحاء بعض أخوات هذه الفتاة وقولهم لها ما يثير الخوف، فصدقتهم، واستمرءوا هذا العمل ومضوا فيه، وأصبحت الفتاة الصغيرة ترهب هذه العرائس وترتعش أو ترتبك عند رؤيتها. وثبت في نفسها هذا الخوف مع الزمن وأصبح كما يقولون (عقدة نفسية).

ولكن حل العقدة يكون بمعرفتها، واستخراجها من باطن النفس وأغوار الماضي فيبرح عنها الخفاء. وقد علمت صاحبتنا بأمر هذه العقدة، وعلمت أن ليس في العرائس ضرر، فما هو السر إذن؟

فانصرفت إلى البحث عن هذه (العروسة الجميلة) التي تخاف منها، التمس في الجمال علة الاضطراب.

وكان من الواضح أن السائلة غير جميلة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>