للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بها الجماعات. فلو أن الثور الأول رفض النير ما حمله الثاني من بعده. على أن الثاني ليس خالياً من التبعة كذلك، لأنه لو رفضه ما حمله الثالث وبتتبع حلقات السلسلة نصل إلى أنني وإياك يجب أن ننزل النير من على عواتقنا لنخلّص منه سلالاتنا المقبلة.

قال الأبلق وقد كف عن الأكل: لكنك في كل ما قلت تناقض مبادئ الخلقة، لأنني لا أكاد أرى نوعاً سوانا يصلح لحمل الهوان الذي نحن فيه.

فقال الأسود: لم يكذب ظني فيك فأنت حقاً مظلم الغريزة! لماذا أكلف نفسي عناء البحث عن جنس آخر يحمل النير من بعدنا؟! نريد أن نتخلص منه، ثم ليحمله الشيطان أو ليحمله الحرَّاث نفسه.

وكل ما أستطيع أن أجزم به هو أن الثور الأول لم تكن خلقته على ما نحن عليه. فلا بد أنه كان رقيقاً لطيفاً فيه من الظباء مشابه كثيرة؛ ولما صاحبه الاستعباد أتلف نسله على مرِّ الزمن.

أما سمعت عن قصة الغراب؟ لقد كان يمشى في الزمان الخالي على رجليه باعتدال، ثم طرأ عليه ما هو خارج عن خلقته فمشى على رجل واحدة وقبض الأخرى حين فشل في محاكاة العصفور ونسى مشيته الأولى!! آه. . . ثم كان الغربان على ما تراها الآن مشيها وثب: لقد ذكرني بنفسه، ها هو ذا قادم أتاه؟؟ إنه آت ليلتقط حبات الفول من أمامنا في المذود.

وتهافت الغراب باحثاً عن الحب، فطرده الأسود برأسه، ثم عاد فطرده مرة أخرى. فوقف فوق الشجرة، وترجح بأحد الأغصان، وأدار رأسه ذات اليمين وذات الشمال كأنه يفتش عن أحد من جنسه، ثم شرع يقول للأسود:

سمعت ما قلته عن الغربان أيها الملعون وأنا في طريقي إليك. لقد أورثني أبى عرجاً ولم يورثني عبودية. وهاأنذا أسخر منك قادراً على أن أسخر ممن استعبدك كذلك، فانظر ما أنا فاعل. . . أنا ابن الهواء الطلق وسليل ذوائب الأشجار.

ثم أطلق سلسلة نعيب تشاءم الحراث منها فقام عن طعامه وقذفه بحصاة، ولكنه طار عن الشجرة ساخراً مزهواً. . .

فاض على الثور الأبلق غيظ من أن سخر من جنسه ضعاف الأجناس، فرفع رأسه عن

<<  <  ج:
ص:  >  >>