طعامه ناظراً إلى الأسود بعينين ملتهبتين كذلك كأنه يسأله ماذا يجب أن يعمل؟ يا لتراجع الحظ! أيسخر منا كل جنس حتى الغربان؟!
قال الأسود: وأخيراً آن لك أن تعلم أنك مغلوب، وأننا كنا من قبل في مرج خلق لنا وخلقنا له، يوم خص الله كل جنس بطعام ومكان!! وبقيناهكذا حتى حجزنا الظلم عن مرعانا ومرَّ الزمان ومرَّ حتى خيَّل إليهم أنه علينا حرام. . .
كان الحرَّاث قد فرغ من طعامه واضطجع قليلاَ على أحد جانبيه وعيناه إلى الثورين، فرأى الأسود لم ينل من علفه شيئاَ على حين أكل الأبلق قليلا ثم كف. فقام إلى الأسود يمسح ظهره ويطرد عن عينيه الذباب، ثم حل رباطه وأورده الماء، وأعاده إلى مكانه، ثم رمى أمامه حفنة من الفول خصه بها وعاد فاضطجع من جديد في هدوء شديد يرقب ويرى ماذا يكون؛ فتبادل الثوران نظرات السخرية حين رأيا أنه حابى الأسود ولم يهويا إلى علفهما بفم.
ومرت لحظات قام الحراث من بعدها إلى الأسود يصب عليه سوطه ثم جرهما معاً إلى المحراث ولم ينزل عنهما النير إلا بعد أن غابت الشمس.
أوى الرعاة إلى الأكواخ، وأوت السوائم إلى الحظائر، وسكن الليل فهاجت هواجس المكروبين.
ورقد الأسود بجوار الأبلق يجتران على المربط علف المساء ويراجعان حديث الصباح فقال الأبلق:
لقد كفرت بالذي قلت لي في الصباح يا صاحبي لأنني فكرت وأنا هادئ. ويخيل إِليَّ أنه كما ينسجم البلح على النخل، وينسجم الجميز على شجر الجميز، لا ينسجم النير إلا على أعناق الثيران!! تصوره مرة على رقبة جمل، ثم تصوره أخرى على رقبة زرافة، تحكم ولا شك بأنه شاذ غريب.
فنطحه الأسود برفق ليثوب إليه رشده، ثم قال:
لن ينزل عن عنقك النير حتى تؤمن بأنه لم يخلق لك. ولو رآه الناس على رقاب الجمال والزرافات طوال القرون التي رأوه فيها على رقابنا، لآمنوا وآمنت معهم بأنها خلقت للنير. إن طول الألفة للمكروه يقربه من أن يكون في نظر الضعيف حقاً، على أن الأقوياء يرقون