للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأدب وتحقيق، وما شئت من نقد وتمحيص، وكأن هذا الجسم الناحل الذاوي قد أصبح كله (شحنة) من الكهرباء تشع بالحيوية والنور والعرفان. . . وتبارك الله أقدر الخالقين.

منذ ذلك الحين تمكنت بيني وبينه أسباب المعرفة، فلم تزدني الأيام إلا إيماناً بغزارة علمه ورفيع أدبه وكريم خلقه. ومنذ ذلك الحين سلكته في عداد (المريدين) في دولة العلم والأدب والتاريخ، ومضى هو قارئاً ومحققاً ومؤلفاً، يضنيه البحث، وتنهكه القراءة، وتلح عليه، فيتداوى بالتي كانت هي الداء. الكتب أكداس على سريره، وعلى المناضد، وفوق الأرفف، وتحت المقاعد، وعلى مائدة الطعام.

ويشفق عليه خاله الكريم، فمضى به إلى الطبيب، يتجسسه ويتعرف داءه، وفى كل مرة لا يسمع المريض ولا الخال سوى كلمات مكررة معادة: الكبت الجنسي والإجهاد وشدة الحاجة إلى الانطلاق من الكتب، والراحة والرياضة. . . وهذه الأمور كلها في نظر (المريد) بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، فالأقانيم الثلاثة شيخ واحد. . . له المجد، وله العلي، وفي سبيله يمرض ويصح، وله الأمر في شأن هذا (المريد) من قبل ومن بعد.

. . حتى إنتاجه الأدبي في الصحافة فهو قراءة كتب ثم تلخيص ونقد وتحقيق وتمحيص. وحتى كتبه التي يؤلفها، فهي رحلات وأسفار شاقة مضنية في صحارى الكتب وشعاب المراجع، يقرأ مائة كتاب ليحقق منها موضوعاً عن (أبي زيد الهلالي) يقع في سلسلة كتب (اقرأ) ويعكف على دراسة (الجاحظ) فيعد في تاريخه (كتاب الجاحظ الضحكوك) ثم يدعه قبل تقديمه للطبع، ليعكف على تاريخ (السيد البدوي) أو (دولة الدراويش) فيخرج للناس في هذا الموضوع كتاباً جليل الشأن قيم الأثر، هو الآن بين أيدي القراء ينعمون فيه بما أنعم، ويجنون من شهى ثماره ما أجني.

إنه في هذا الكتاب، وفى غيره من الكتب التي أعدها، والتي يعدها، هو هو (المريد) محمد فهمي عبد اللطيف، يغوص إلى القاع، فيظفر بأنفس النفائس، ويحلق في الأجواء، فلا يهبط إلا بما يشع على موضوعاته نور العلم والمعرفة.

إنه يعيش في الكتاب وللكتاب، ولاشيء غير الكتاب، حتى لأرجح أنه لم يسمع إلى اليوم (الأوبرج) ولا يدري أين موقع (الكيت كات) ولا أستبعد أن يكون (الأوبرج) في نظره وفي مبلغ علمه نوعاً من أنواع الأطعمة الإفرنجية يقدم على موائد الموسرين، وأن يكون (الكيت

<<  <  ج:
ص:  >  >>