المهجري فنان يقبل على الحياة ليعبَّ من من عِبرها، وليتزود بتجاربها، وليندمج مع حوادثها فيكوِّن آراءه نتيجة لاختبار طويل، وتجربة واقعية تامة وإدراك للأمور الحياتية. . فإذا أراد أن ينشئ أدباً عمد إلى ما ادخرته حاسته الواعية، وما التقطته مخيلته المصورة. . واستمد الوحي والإلهام من هذه الحياة التي لا ينضب معينها، ومن هذا الكون الذي لا تُبلى جدته. . وهما يمدانه بكل طريف وجديد ورائع. . ومن هنا كان الشعر المهجري صورة نابضة تحمل إليك (قِطاعاً) من الحياة، مصورة لك خوالج النفس الإنسانية ومشاعرها بإطار شعري شفاف.
ومن هذه الصفات أيضاً: هذه الروح الطليقة الشاعرية الظامئة التي تتغلغل في الأدب المهجري، وتطبعه بطابع خاص، وتضفي عليه ظلالاً فيها حرارة الروح إلى السمو، ونبضات القلب وتلهفه إلى الحب، وتسابيح الضمير ينشد عالم الحرية والانطلاق. وإنك لتحسُّ تلهفاً حاراً، وظمأ شديد يتطلعان إليك من بين السطور عند قراءتك لهذا الأدب الرائع.
ولست أنا بصدد التحدث عن الأدب المهجري فأسهب في تبيان صفاته ولكنى أودُّ أن أتحدث عن كتاب اسمه (حفنة ريح) لأديب مهجري اسمه سعيد تقي الدين. هو في نظري وفى نظر المطلعين على أدبه من أكبر كتاب المسرحية في الأدب العربي. . لا يدانيه في منزلته إلا توفيق الحكيم رائد المسرحية في الأدب العربي، على ما بينهما من اختلاف في الأسلوب، وتباين في النظرات الفنية.
فسعيد تقي الدين فنان واقعي يستمد فنه من الحياة، ومن الكون المحيط به. . فهما كفيلان بتزويده بالتجارب الكثيرة، ومده بالملاحظات القيمة. . وأشخاص مسرحيته واقعيون لا يكادون يجنحون إلى الشذوذ. فهو شديد الإخلاص للحياة، عظيم الحرص على صورها. . أما توفيق الحكيم فلا يعتمد على الحياة فيما ينشئ منذ تأليفه كتاب (يوميات نائب في الأرياف) أو من قبل ذلك. فأشخاص مسرحياته خياليون تخلقهم مخيلته؛ لأنه يرجو من ذلك خلق الجو الفكري الذي يلذه، والذي يكاد يخنق كل صوت ما عداه. . فلهذا يمتزج مع الأشخاص، ويشرف على حركاتهم، ويعين تصرفاتهم. . فهذا (فلان) يمثل الغريزة الحيوانية، و (فلان) يمثل النفس الظامئة إلى إدراك الغيبيات، و (فلان) يمثل هذا الطور أو