ذاك من أطوار الرقي الإنساني وهلم جرا. . . أما سعيد تقي الدين فلا يطرق الجو الفكري، ولا ينظم الأشخاص لتعبر عن فكر بعينها_كما يفعل الحكيم - ولكنه يصور لك صورة من الحياة بمساوئها ومحاسنها، بشرها وخيرها، بأحزانها وأفراحها. . ويهتم بالناحية النفسية أكثر من اهتمامه بأية ناحية أخرى، ويدع الأشخاص يعملون بما توحيه إليهم الحياة دون أن يتدخل في سلوكهم. .
وبالإضافة إلى هذه الفروق نضمُّ إليها فرقاً آخر وهو روح الفكاهة والسخرية التي تميز بها الأديب المهجري ولم يعرف بها الأديب المصري.
وبعد هذا كله أحدثك عن الكتاب (حفنة ريح) فأقول لك: إن الكتاب يضم مهزلة ذات فصل واحد هي (حفنة ريح) ومجموعة قصص هي (موجة نار) ومراسلات بين المؤلف والأستاذ سهيل إدريس أحد الأدباء اللبنانيين:
والمسرحية خلق فني ممتاز تقف في الصف الأول من صفوف المكتبة في الأدب العربي توافرت فيها عوامل النجاح فرفعتها إلى هذه المنزلة العالية. . وعوامل النجاح في هذه المسرحية الممتازة هي عوامل النجاح في كل مسرحية ناجحة فهي ترجع: أولاً: إلى مقدرة المؤلف في التصميم الفني المسرحي، ثانياً: وإلى إشاعة الحركة على المسرح ثالثاُ: وإلى خلق الأشخاص الذين يتصلون بأسباب قوية، ويتحركون على المسرح كما يتحركون على مسرح الحياة، رابعاً: وإلى إجراء الحوار الجميل الجاري جرياناً لا يعكره التكلف، ولا يعتريه الخفوت.
أضف إلى هذا كله تلك الفكاهة المستحبة، والروح الشفافة الطليقة، والسخرية اللاذعة. . تلك الصفات التي امتاز بها الأستاذ سعيد تقي الدين، وأطلقها في أجواء مسرحياته فكانت عاملاً من عوامل نجاحها.
وقد أشاع المؤلف في مسرحيته هذه وأهتم اهتماماً كبيراً في إبرازه (من اللحظة التي يرفع فيها الستار إلى (كعك سخن) في آخر المسرحية.
وعلى الرغم من أن التأريخ سمة من سمات المهزلة الناجحة فإن المؤلف لا يمكن أن يعتمد عليه وحده - لأن من خصائص التأريخ خلق الجو النفسي فحسب، فلهذا نلمح في (حفنة ريح) الناحية النفسية وحدها.