وحدث أيضاً أن اعتقل الحرس الوطني صحفياً يهودياً أمريكياً واقتاده إلى مقر قيادة مدينة القدس، حيث أخذوا يحققون معه فقال في دفاعه: إنني من أنصار الدكتور ماغنس عميد الجامعة العبرية. . . وحزبنا يريد سلماً مع العرب. فأفرجوا عنه مصحوباً بحرص ليوصله إلى الأحياء اليهودية.
وبلغ مسمعي حوالي الساعة الثالثة بعد منتصف الليل أصوات آتية من وسط الوادي تقول بالعبرية: مهير. مهير. كاديما!
وأعقب تلك النداءات انفجار هائل شعرت منه أن دارنا قد تزحزحت عن مكانها، ثم استمر تبادل إطلاق النار حامياً، وكانت تصدر عن الأسلحة السريعة الطلقات أنغام غريبة تشبه الخبط على الأبواب، أو النقر على الزجاج، أو الضرب على طبلة السحر. . . ثم تنفجر أنغام الدكتور ماغنس وكأنها قرع طبول تشترك في هذا العزف الآثم.
وحين بلغت المعركة الليلة أوجها اقترب أحد المعتدين من كوخ منعزل، تركه صاحبه ليساهم في الدفاع عن الحي، ولم يبق فيه سوى زوجة وستة أطفال. . . ولما سمعت المرأة حركة عند كوخها ظنت أن زوجها عاد ليتفقد أسرته، فصرخت قائلة: من بالباب؟. . . فأجابها المعتدي: يهوديم، ثم سألها: أين زوجك؟
قالت: خرج، ولا أدري إلى أين، وليس في البيت سواي وأطفالي. . .
لعل القارئ يتصور أن المعتدي ابتعد عن الكوخ وسكانه الأبرياء الآمنين، غير أن الواقع كان على العكس من ذلك، فإنه وضع لغماً عند باب الكوخ، وأشعل فتيله، وأطلق ساقيه للريح، ملبياً صوت قائده الذي يقول له من بعيد: بوهينا اتسخاق. . . مهبرا!. . . وبعد لحظات انفجر اللغم، وقتلت المرأة مع أربعة من أطفالها، واستحال الكوخ إلى رماد.
أما الدكتور ماغنس فهو عميد الجامعة العبرية بالقدس، في حدود الخامسة والخمسين، أمريكي الجنسية، مديد القامة، نحيف الجسم، غائر العينين، ذاهل النظرات، وصاحب مائة مشروع ومشروع من أجل التقارب بين العرب واليهود.
واستمرت المعركة حتى السادسة صباحاً، فتطلعت إلى جهة الجامعة فرأيت أحد المعتدين يقذف النار من مدفع (برن)، وقد نصبه في صومعة الدكتور ماغنس، وتقع هذه الصومعة فوق سطح غرع الإنسانية التابع لكلية الآداب!. . .