ونزل الوحي على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، امتلأت نفسه حقداً وحسداً، وصد عن السبيل، وبالغ في العداء للمسلمين، وقاتلهم مع مشركي مكة، وجعل يرثي من قتل من كفار قريش في بدر، فكان طبيعياً - وقد حرم النبوة - أن يدعيها، فعنده آلاتها - على زعمه - ولكنه لم يفعل، أو يتنبأ رجل كعامر ابن الطفيل فقد كان سيد قومه، وآلى على نفسه ألا ينتهي حتى تتبع العرب عقبه، فما كان له - كما حدث عن نفسه - أن يتبع عقب هذا الفتى من قريش. وقد وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يضمر الغدر به، وعرض معه أن يجعل الأمر له سنة، ولنفسه سنة، أو يجعل له الوبر ولنفسه المدر، ولكن الرسول أبى، فقال عامر: والله لاملأنها عليك خيلاً جرداً ورجالاً مردا، ولأربطن بكل نخلة فرساً، ولكنه - مع ما كان يحرص عليه من ملك العرب - لم يدع النبوة، وإنما ادعاها قوم لم يكونوا على مقربة منها، ادعاها مسيلمة بن حبيب، وبعض كتب السيرة تحدثنا بأنه لما وفد مع قومه على رسول الله جعلوه في رحالهم ليقوم بشئونها. وادعاها طليحة بن خويلد الأسدي، وادعاها الأسود العنسي، وادعاها لقيط بن مالك الأزدي في عمان. ولم يحدثنا التاريخ عن واحد من هؤلاء قبل ادعائه النبوة بما يمكنأن يكون مؤهلاً فيه لها، عدا ما ذكروا من كهانة طليحة. ثم ادعتها امرأة، ادعتها سجاح بنت الحارث التميمية، فصحقول الشاعر:
لقد هزلت حتى بدا من هزالها ... كلاها وحتى سامها كل مفلس
ولم يخف هذا الأمر على أتباعها، فقال أحدهم يسخر منها بعد أن تزوجت مسيلمة.
أمست نبيتنا أنثى نطيف بها ... وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا
والذي تستطيع أن نقوله في كل هؤلاء (ليس بمتنبئ صادق، ولا بكذاب حاذق) فإن أحداً منهم لم يستطع أن يتقن دوره الذي قام به، وأن يخدع الناس عن دعوته. نعم كان منهم الكهان الذين مرنوا على استهواء العامة، وكان منهم من تعلم الحيل ليموه بها على قومه؛ فقد قال الزمخشري في ربيع الأبرار: قال الجاحظ: كان مسيلمة قبل ادعاء النبوة يدور في الأسواق التي بين دور العرب والعجم يلتمس تعلم الخيل والغير تجات واحتيالات أصحاب الرقي والنجوم. أه. ثم جاء العصر العباسي فكان المتنبئون جماعة من الحمقى، ولم يكن لهم تأثير لا في العامة ولا في الخاصة، وإنما هو الجنون، فإن لم يكن فالحمق لا ريب فيه.