من مساعي أولئك الأشداء الأقوياء المجاهدين الخائضين غمرات الموت.)
(كل ذلك تراه مبنياً على حكمة الاشتراك، ولبث حكم هذه الآية جارياً، وكان الرضاء به شاملاً لمجموع المسلمين، من مجاهد أو قاعد عن الجهاد لعلة، فبدأ بالدرجة الأولى بعد الله ورسوله بذوي القربى من المجاهدين على درجاتهم، ثم عطف على من دونهم في المرتبة الثانية ممن ليس لهم في المجاهدين أقرباء فقال: واليتامى، ثم وسع نطاق الاشتراكية فقال: والمساكين، ثم رأى أن يأخذ نطاقاً أوسع فقال: وابن السبيل، أي عابره. ثم بذلك الشكل نوع من الاشتراكية لم يكن أوسع منه شكلاً ولا أنفع. . .)
ثم جاء بموضع آخر من الكتاب مقرعاً لمن يكنزون الذهب والفضة، ثم حبذ وأثنى على الذين يؤثرون على أنفسهم بالعطاء والإسعاف والإطعام ولو كان بهم خصاصة.
(وهكذا ترى قانون الاشتراكية المعقول في آيات القرآن تترى، فلننظر هل عمل بهذا القانون؟ وما كانت نتائج العمل به؟)
(نعم) إن الإخاء الذي عقده المصطفى صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار لهو أشرف عمل تجلى به قبول الاشتراكية قولا وعملا. فالمهاجر من المسلمين إنما استطاع أن يفر بدينه راضياً بهجر بلده، وترك مسقط رأسه، ومفارقاً أهله وذويه، والخروج من ماله ومقتناه، مسروراً أن يصل إلى دار الهجرة سالماً - والأنصاري، وهو في بلده مع أهله وذويهوماله، قبل راضياً مسروراً أن يشارك أخاه المهاجر بكل معنى الاشتراك. حتى لو تطلع الإنسان منا اليوم، وأشرف على تلك الأرواح الطاهرة لرأى من مجال الاشتراك روحاً وجسداً، ما ينبهر له عقله، ولصح اعتقاده أن عمل الدين وتأثيره في تلطيف الكثافة الجثمانية لا يضارعه مؤثر أو عامل آخر على البشرية، ولرجعوا لو كانوا يعقلون. . .)
(وبعد النبي صلوات الله عليه كان صاحب أكبر منصب وهو الخليفة لرسول الله يسير بيسيرة نبيه من الاكتفاء بالقليل من العيش والكفاف منه، ومجالسة الفقراء وبمشاركتهم بكل معنى الاشتراك في مظاهر الحياة الدنيا ونعيمها. فأهل الإسلام مع تمخض سلطان الحرية فيهم لم يروا في سيرتي الصديق والفاروق رضوان الله عليهما ما يدعوهم إلى أقل تذمر أو تململ، أو تفكير بمناهضة لسلطانهما، أو تألب على أشكال حكمهما وإمرتهما، أو إحداث شغب يعرقل مساعيهما في الفتوحات، بل كانوا يبذلون النفس والنفيس في طاعة الخلفاء