للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ليست في الحقيقة إلا أجزاء من خطة واحدة مدبرة من تلقاء إبليس الذي لا يهدر سلطانه إلا الإسلام.

أما الإسلام فإنه وإن كان خطراً عظيماً بالقوة لكنه ليس بخطر بالفعل؛ لأن المسلم قد فقد الإيمان برسالته والثقة بنفسه؛ فأعتزل معترك الحياة وتنازل عن الدنيا فلا يهمه مصير الإنسانية وأوضاع العالم إذا هو شغل فكره في الترف العلمي المفسد لقوة العمل مثل الإلهيات والكلام؛ وإذن فليس على إبليس للاحتفاظ بسيادته على الأرض إلا أن يستمر في صرف نظر المسلم - عدوه الوحيد - عن الحياة والجهاد في سبيلها.

ولكن مهما يكن الحال باعثاً على الاطمئنان من ناحية المسلم فالخطر لا يزال متمثلاً أمام إبليس في طبيعة الإسلام وجوهره؛ لأن الإسلام ينطوي على استنكار الاستعباد بجميع أنواعه وتزكية الثروة وجعلها أمانة في يد المنعمين. وهاتان الناحيتان - السياسية والاقتصادية - هما اللتان تهمان الإنسانية في الوقت الحاضر. فلو اهتدت بمقتضى الظروف إلى اكتشاف مبادئ الإسلام - الملك لله والأرض لله - لفسد الأمر على إبليس فلذلك نراه يسهر على حجب هذا الطريق المستقيم عن أنظار الجمهور المتلمسين طريقه في الظلام ليبقوا حيارى متطرفين تارة إلى اليمين وتارة إلى الشمال.

ومما يجب التنبيه إليه أن رسالة إقبال - رسالة الجد والعمل المنتجين - هي تسخير الأسباب المادية والسيطرة التامة على الأحوال والنظم الاجتماعية دون الخضوع لها؛ فهو دائماً شديد الاغتباط بمظاهر الحركة والنشاط حتى في حياة إبليس ولا يملك الاستهزاء بالركود والجمود في الملائكة المشتغلين بالتسبيح والتقديس فقط كأنه يريد التأكيد بأن الفضل كل الفضل في المغامرة والمخاطرة لا في الانحياز وسلامة النفس. وهذا أسلوب مطرد للدكتور إقبال في معالجته لشخصيات موسوليني ولينين وماركس؛ فإنه ينوه بحيويته دون أن يتقيد بمراميهم. وسنرى هذا الأسلوب ينجلي أمامنا بصورة بارزة في هذه الأبيات المترجمة.

السنة سنة ١٩٣٦ م

إبليس - هذه الدنيا لعبة العناصر من قدم، تقطعت أمال سكان العرش الأعظم حسرات عليها قد أزمع الآن على خرابها ذلك المصرف للأمور الذي سماها عالم الكاف والنون أما

<<  <  ج:
ص:  >  >>