أنا فقد أريت الإفرنج حلم الملوكية وأبطلت سحر المسجد والدير والكنيسة، وإني لقنت المعدمين درس القدر؛ وألهمت المنعمين جنون الرأسمالية. أفيطيق أحد إطفاء النار المستعمرة فيما تستند وقائعها إلى لوعة في قلب إبليس؟ وهل يطيق أحد قلع تلك النخلة التي تمتد أغصانها بتربيتنا نحن؟
المستشار الأول - لا شك أن هذا النظام الإبليسي محكم، إذ تأصل من جرائه العوام في طريق الاستعباد. هؤلاء المساكين قد قدر عليهم السجود من الأزل حتى أصبحت الصلاة بدون القيام من مقتضيات فطرتهم، لا يمكن أبداً يتولد فيهم أمل. ولئن ولد أحياناً فلابد من أن يموت أو يبقى فجاً ناقصاً. أن من معجزات سعينا المتواصل أن أصبح المتصوفون وأئمة الدين كلهم من عباد الفردية وإنما هذا الأفيون يوافق طبع الشرق، وإلا فعلم (الكلام) لا يقل شيئاً عن مزامير القوال. ولو بقى الاحتفال بالطواف والحج يهمنا من أمره؟ إذ أن سيف المؤمن المسلول قد فُل، وعلى قنوط مَن يدل هذا الفرمان الجديد أي قولهم أن الجهاد محرم على المسلم في هذا العصر؟
المستشار الثاني - أخبر هذا الضجيج بشأن (الحكم للجمهور) أم إذ لست مطلعاً على الفتن الناشئة في الدنيا
المستشار الأول - إني على علم، ولكن خبرتي بالدنيا ترشدني إلى أنه لا داعي للخطر أبداً من ناحية ما هو قناع للملوكية ليس إلا. نحن بأنفسنا خلعنا على الملوكية زي الجمهورية إذا تنبه ابن آدم قليلاً إلى عرفان نفسه وتقدير ذاته. أن أمر الملكية يمتاز بماهيته الخاصة بحيث لا يقتصر أبداً على وجود (الأمير والسلطان) سواء أكان هناك مجلس الملة أم أركان دولة أبرويز، (السلطان) عبارة عن كل ما يطمح ببصره إلى زرع غيره. أو لم تر إلى النظام الجمهوري في الغرب؟ الظاهر مشرق، أما الباطن فهو أظلم من جنكيز!
المستشار الثالث - كلما بقيت روح الفردية فلا داعي إلى الاضطراب. ولكن كيف تتسنى المعارضة لفتنة ذلك اليهودي الذي هو الكليم؟ إلا أنه ينقصه التجلي وهو المسيح؛ بيد أنه ليس معه صليب. ما هو بنبي ولكنه متأبط كتاباً. يعوزني التعبير عن نظرة ذلك الكافر الهتاك للأستاذ كأنما هي القيامة لأقوام الشرق والغرب. وهل يكون هناك أشنع من فساد الطبع هذا؟ أعنى أن الأرقاء قوضوا إطناب خيام مواليهم.