أنا أعرف أن هذه الأمة لم تبق حاملة للقرآن، وأن الرأسمالية هي بعينها أصبحت ديناً للعبد المؤمن. ولا يغيب عنى أن أكمام شيوخ الحرم من اليد البيضاء للإضاءة في ليل الشرق البهيم. ولكني أخاف من مقتضيات هذا العصر أن تؤدي إلى تبيان الشريعة النبوية. وحذار ثم حذار من الدستور النبوي فأنه حافظ لناموس المرأة، ومبتلي المرء ومكونه. إنما هو إنذار بالموت لجميع أنواع الاستعباد حتى لا يبقى بعده لا الفغور أو الخاقان ولا المسكين المرابط بالطريق. هو يطهر الثروة ويزكيها من كل رجس ويجعل المنعمين أمناء على المال والثروة. وهل يكون انقلاب في الفكر والعمل فوق هذا:(الأرض لله لا للملوك) يا حبذا لو بقى دستور كهذا مخبأ عن عيون العالم. ومن المغانم أن المؤمن نفسه يعدم اليقين والخير في أن يبقى هو مشتبكاً في الإلهيات مشغولا في أوجه تأويل كتاب الله.
- ٣ -
لا أضاء الليل المظلم للمتقي الذي تبطل تكبيراته طلسم الجهات الستة! هل مات ابن مريم أم هو حي خالد؟ هل صفات ذات الحق هي عين الذات أو منفصلة عنها؟ هل المقصود من (الموعود) هو المسيح الناصري أو المجدد المتصف بصفات ابن مريم؟ هل ألفاظ كلام الله قديمة أو حادثة؟ بأية عقيدة تنحصر نجاة الأمة المرحومة؟ هذه المجموعة من اللات ومناة من صنع الإلهيات. أولاً هي لشغل المسلم في هذا العصر؟ عليكم أن تجنبوه عالم العمل حتى تفشل كل خطة له في ميدان الحياة. الخير كله في أن يبقى المؤمن مستعبداً إلى يوم القيامة، متنازلا لمصلحة الآخرين عن هذا العالم الذي لا ثبات له. إنما يليق به الشعر والتصوف اللذان يحجبان عن نظرة مسرح الحياة. أنا لا أزال متخوفاً كل لحظة من يقظة هذه الأمة التي تنطوي حقيقة دينها على احتساب الكائنات. عليكم أن تشغلوه عن نفسه بالذكر والفكر وأن تحصروه في المزاج الخانقاهي (أي الرهبانية).