للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لي نقض رأي أبي جعفر فيلجئني إلى أن أعيد له ما قلت من أن أبا جعفر لم يذكر من هو هذا الملك الذي كان يأمر بتعليق هذه القصائد في خزائنه وأن بعض علماء الأدب هو الذي رجح أنه النعمان بن المنذر، فلم أكن أنا الذي حملته عليه ليتأتى لي بذلك نقض رأيه، ثم إني لم أكتف بهذا في نقض رأيه بل ذكرت ما ينقضه، ولو كان ذلك الملك ملكاً آخر قبل النعمان بن المنذر وأشرت إلى الأسباب المعروفة التي قيلت المعلقات من أجلها والى الأمكنة التي قيلت فيها وهي أمكنة غير تلك الأسواق التي يقول أبو جعفر وغيره أنها كانت تقال فيها.

ولا أثقل على نفسي من أن لا يطلع ناقد رأيي على النص الذي أخذت منه أن سوق عكاظ أنشئ بعد عام الفيل بخمس عشرة سنة. ثم يطلع على نصوص أخرى قد تخالف ذلك فيمضي فيها إلى أن يعود فيسألني عن النص الذي اعتمدت عليه في أمر قيام تلك السوق بعد عام الفيل، فيلجئني إلى أن أدله في ذلك على كتاب المتداول مشهور هو كتاب (الوسيط) للأستاذين الفاضلين الشيخ أحمد الإسكندري، والشيخ مصطفى عناني، وإني أذكر لناقد رأيي نصاً أقدم مما ذكره من النصوص التي ذكرها في إثبات قدم سوق عكاظ.

قالوا في تفسير المثل المشهور (الحديث ذو شجون) إنه يضرب في الحديث يتذكر به غيره، أي ذو طرق يتصل بعضها ببعض ويؤدي بعضها إلى بعض، والواحد شجن قاله ضبة بن أد ابن طابخة بن إلياس بن مضر، وقد نفرت إبل له فطلبها أبناء (سعد وسعيد) فوجدها سعد فردها، ومضى سعيد فلقيه الحارث بن كعب فأخذ منه برديه وقتله واختفى خبره على أبيه إلى أن وافى عكاظ فرأى بردي سعيد على الحارث فسأله عنهما فأخبره بأنه رآهما على غلام فطلبهما منه فأبى فقتله بسيفه، فقال له ضبة: أعطينيه أنظر إليه فإني أظنه صارماً، فأعطاه له فهزه في يده وقال: (الحديث ذو شجون)، ثم قتله به، فقيل له يا ضبة: أفي الشهر الحرام؟! فقال: (سبق السيف العذل) فذهب أيضاً مثلاً.

ولا شك أن عصر ضبة أقدم بكثير من عصر عبد شمس بن عبد مناف، ولكنها نصوص قد تحمل على الاشتباه وان ذاكرها يريد سوقاً أخرى غير سوق عكاظ فاشتبهت عليه لشهرتها، وهكذا يغطي كل مشهور على كل شيء سواه، فيبقى النص الذي يعين قيام سوق عكاظ بعد عام الفيل غير قابل للتأويل ويقدم على غيره من النصوص الأخرى لأنه نص سيق لبيان

<<  <  ج:
ص:  >  >>