العسر كل العسر في أن تجد من يحمل الحقائب إلى المنزل، فقد طفقت أبحث في المحطة عمن يحملها وكنت أظنهم كثيرين لرداءة اللباس وفقر المظهر، فلم يقبل على منهم أحد، فلما أقبلت عليهم أعرضوا جميعاً، ولما لجأت إلى تفسير وشرح، فهي وحدها الرائجة وهي وحدها العملة النادرة.
وأخذت سبيلي إلى المنزل ماشياً، فليس من عربات أو سيارات ولن أطمع فيها بعد الذي رأيت.
وعزفت عن التفكير إلا فيما جئت له؛ فأنا أزور ثالث مدينة جامعية على (الراين) بعد بون وهايدلبرغ، بل هي تمتاز عنهما بأنها من مهود الاستشراق، ففيها ما ليس في الجامعتين من مخطوطات عربية نفيسة، ففيها المتنبي وأبو فراس وابن وحشية، وفيها ليتمان و (بور) وفايفايلر من مشاهير المستعربين فلا أقل من أن أقيم أياماً أستعيد بين القدامى والمحدثين ذكرى عاطرة؛ وأقوم بالتحية الطيبة قبل أن أرحل إلى الدير. . .