التي تحتاج إلى دراسة وبحث، ورجوع إلى المصادر، ومقارنة تلك المصادر بعضها ببعض، وترتيبها ترتيبا زمنيا، ونقد رجال الرواية، وفحصها فحصا دقيقا حتى يتمكن المؤرخ من الحكم في هذه القضية حكما قطيعا، وما تقوله لم يتم حتى الآن.
وقد لقي موضوع (عبد الله بن سبأ) عناية خاصة من المستشرقين ولا سيما من يهود المستشرقين. وأعتقد أن السبب وأضح؛ فهنالك طائفة منهم كانت على علمها وتدقيقها تتعصب على الإسلام، وتتمسك حتى بالتافه من الروايات وبالأحاديث الموضوعة التي نص علماء الحديث على كذبها، وتتخذها حجة لإثبات أثر اليهودية أو النصرانية في الإسلام وفي أصول الدين.
ومن جملة أولئك المستشرقين (هربلو) و (دي ساسي) و (فايل) و (فون كريمر) و (دوزي) و (موير) و (أوكست ميلر) و (فان فلوتن) و (كريتس) المؤرخ اليهودي المعروف، و (ولهوزن) و (هر شفلد) في مادة (عبد الله بن سبأ) في (دائرة المعارف الإسلامية)، و (إسرائيل فريد لندر) وقد بحث عن عبد الله بن سبأ بحثا مفصلا، وجمع كل ما أمكنه جمعه من الروايات التي وردت في الكتب العربية عن هذا اليهودي.
ورد خبر عبد الله بن سبأ في كتب الأدب والتاريخ، ويرجع أصل هذه الروايات إلى العصر الأموي، وإلى رواة الكوفة أو البصرة، أي رواة أهل العراق، وممن ذكرهم (الجاحظ) المتوفى سنة ٢٥٥ للهجرة وهو أديب كبير صاحب أحاديث لطيفة، ذكرهم في كتابه الشهير (البيان والتبيين) في (كتاب العصا) وقد أخذ روايته عن حباب بن موسى عن مجالد، عن الشعبي، عن جرير بن قيس، الذي قال: قدمت المدائن بعد ما ضرب على ابن طالب كرم الله وجهه فلقيني ابن السوداء وهو ابن حرب فقال لي ما الخبر؟ فقلت: ضرب أمير المؤمنين ضربة يموت الرجل من أيسر منها، ويعيش من أشد منها. قال: لو جئتمونا بدماغه في مائة صرة لعلمنا أنه لا يموت حتى يذودوكم بعصاه. وقد نقل عن الجاحظ جمهور من المصنفين نقلا يمكن معرفته عند مطابقة الروايات ومقارنة بعضها ببعض.
وورد خبر (ابن سبأ) في كتاب (المعارف) لابن قتيبة المتوفى سنة ٢٧٦ للهجرة؛ وقد تعرض له في معرض (الفرق) فقال: (السبأية من الرافضة ينسبون إلى عبد الله بن سبأ، وكان أول من كفر من الرافضة، وقال على رب العالمين، فأحرق على أصحابه بالنار).