للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قدمت المنطقة لأزور القرية للمرة الأولى، وأن ليس في القرية من سكن أرى إليه. فالفنادق مستشفيات خاصة بجرحي الحرب، وأني لاجئ إليه، وليس من سلطان للاستعمار عليه. فقد وعدت الهدنة بأن تحترم الأديان وبيوت الله، فهو وحده يحكم القرية والدير، وإليه هنا المرجع والمآب.

فهم الرجل في كلمات، وأجاب في لطف بالغ ووقار جميل بأن الدير بيت للجميع وأن ما في الدير ملك لله، وأنه موكل بصحبتي قيم المكتبة فهو دليلي إلى المخطوطات، وصديقي إلى اكتشاف المخبئات. وقرع الجرس فانحنى كاهن صغير من (الإخوان)، وانفتل يطلب الأب غالوس وسألني في هذه الفترة القصيرة وقدفهم حرمتي للمكان وغربتي بين السكان ليتأكد أني لست من البروتستانت الكثرة في ألمانيا؛ فديره للكاثوليك وهم قلة فيها يتكاتفون ويتعاونون. ولست أدري كيف أجبت، ولست أذكر كيف تكلمت، وإنما أعرف أن قلبي وقف عن الخفقان لحظة خلت أني أقضي إثرها، وإني أجبت من غير أن أعلم: أجل يا أبي الكبير أجل! فرجاني تبسط جميل أن أصطنع الحرية في طلب ما أريد، فشكرت له، وانحنيت على يده ثانية أودعه كما استقبلته لألقى الأب القادم وألقى بين يديه بمقاليد الأمر وما جئت له وما هي إلا دقائق حتى كنا ننحني في الكنيسة أمام المعبد نقدم واجبات التحية في الاحترام قبل أن يحين العشاء.

ويشاء الله أن تتابع المراسيم الصعبة في أقل من ساعة. فالدخول إلى الأكل له نظامه في الدير. يدخل الآباء واحدا بعد واحد وهم يرتلون؛ ويتبعهم الإخوان في أثرهم وهم يرتلون؛ ثم يدخل ضيوف الدير، وفيهم ثلاثة طلاب وأستاذان، وهم كذلك يرتلون، وأنا ساكت واجم أنظر يمنة وأنظر يسرة في طرف خفي وقلب وجلى، قبل الدخول، لئلا أخطئ في الحركة وأشذ عن هذا النظام الدقيق.

ووقفنا دقائق أمام المائدة ونحن خشوع سكوت ملتفين حول موائد طويلة ومقاعد من خشب في قاعة كبيرة استوعبت مئتين من الآباء والإخوان مع ستة من الضيوف جعلت في وسط القاعة، وحولنا من الجهات الأربع سكان الدير، وقد أخذوا أماكنهم في نظام عجيب. وتصدر القاعة الأب الكبير، فلما أذن لنا ارتمينا على مقاعدنا من غير أن نرفع البصر أو نحرك عضواً من الأعضاء نستمع إلى الإنجيل يتلى علينا من منبر عال باللاتينية م

<<  <  ج:
ص:  >  >>