للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقصائد الرصافي في هذا الموضوع أكثر من أن تحصر؛ فقد كان يرى الدفاع عن حقوق المرأة أمانة في عنقه، يجب أن يؤديها بغير تمهل وانتظار. وقد أفلح الشاعر في دفاعه أي فلاح، وعاش حتى رأى المرأة الشرقية كما أحب لها من تقدم وصعود، فعاد يمجد في مواهبها، ويبالغ في مكانتها ويفخر بنهضتها التي نمت في وقت يسير. وما ظنك بزارع كادح بذل جهده الدائب في شق التربة وغرس الثمرة. وصادف من الصخور ما كاد يهشم معوله، ويبدد قوته وما زال يتعهد غرسه بالماء حتى رآه - بعد لأي - جنة مورقة تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها، هكذا كان معروف!!

وهنا نتساءل بعد ما أسلفناه من جهاد الشاعر عن موقفه العاطفي من المرأة، وهل ملكت يوما زمام فؤاده؟ وماذا أوحت إليه من فاتن الغزل ورقيق النسيب؟؟

وقبل كل شئ نذكر أن الرصافي قد تزوج مرة واحدة في حياته، أثناء إقامته بتركيا، ولم يكتب له التوفيق كزوج مسؤول، فطلق امرأته بعد مدة وجيزة، وألقى العبء عن كاهله، كما صنع شاعر النيل؟

كما لم يحدثنا أحد من معارفه بأنه أحب فتاة معينة، أو أنشأ علاقة مع امرأة بذاتها، وإن كنا نعلم أنه كان إباحيا متحللا يبحث عن شهوات الجسد من أي طريق. وأنت تنظر إلى ما روى عنه من صادق النسيب، فنجده ينظر إلى النساء بمنظار واحد، فهو يغازل هذه وتلك دون أن يدخر في قلبه شجنا مبرحا، أو لوعة حارة. وإذن فمعروف يهوى الحسن مجردا عن ذاته كما يراه في كل لون ووضع؛ فهو بحب البيضاء، إذ تتألق كالبدر، ويعشق الحمراء إذ يتذكر بها طلوع الشمس، ويميل إلى السمراء والصفراء جميعا في وقت واحد!! وقد يظن الناس أن هذا خيال شاعر لا حقيقة له، والواقع غير ذلك، فالجمال لا يقف عند لونه، وإنما يتعداه إلى الخفة والمرونة. وكأني بالرصافي وقد وجد قلبه أعظم من أن يختص بواحدة، فهام بجميع الملاح. اسمعه يقول

وقفت عليكن قلبي الذي ... يمر به الحب مر السحاب

فمنكن أحببت هذي وتى ... وألفيت عذبا بكن العذاب

فمنكن بيضاء ما مثلها ... (عدا حمرة الخد) ألا القمر

فتلك التي طاب لي وصلها ... كما ليلة البدر طاب السمر

<<  <  ج:
ص:  >  >>