ومنكن حمراء جذابه ... حكى وجهها الشمس عند الطلوع
أرى عينها وهي خلابة ... فأمسك بالكف مني الضلوع
ومنكن صفراء في لونها ... كأن قد تردت شعاع الأصيل
إذا ما تمشت على ضعفها ... أصَّحت هبوب النسيم العليل
ومنكن سمراء تحكى الدمى ... وتبعث في القلب ميْت الهوى
على شفتيها يلوح اللمى ... فتوقد في القلب نار الجوى
ومنكن من هي مثل الرياح ... لها في ذرى كل قلب هبوب
تريد غلاب جميع الملاح ... وتبغي عذاب جميع القلوب
فمنكن طرا بوادي الهوى ... أهيم وإن لم تعد عائدة
ألا إن حيا بقلبي انطوى ... كثير فلم تكفه واحدة
وطبيعي أن يكون الرصافي فنانا ماهرا في نظرته إلى المرأة، فهو يصفها في دقة وحذق وكأنما أحاط بحركاتها واجدة فواحدة. وقد صور ملهى للرقص في بغداد، فكدنا نراه في القاهرة. والذي يهمنا منه تلك اللوحة الرائعة التي رسمها للراقصة الفاتنة؛ فقد تكلم عن ثوبها الحريري فخيل إلى أنه حائك ماهر يصفه لزميله كي يصنع مثله. وانتقل إلى حركاتها السريعة فكاد يسبقها في الخفة والوثوب، على أنه يطير معها في الجيئه والذهوب، ولن أترك القارئ حتى أضع أمامه جانبا من هذه اللوحة، فالفن يشوه بالتخليص أقبح تشويه، قال معروف:
خطرت والجمال يخطر مها ... في حشا القوم جيئة وذهوبا
وعلى أرؤس الأصابع قامت ... تتمطى تبخترا ووثوبا
نحن منها في الحالتين نرانا ... نرقب الشمس مطلعا ومغيبا
حركات خلالها سكنات ... يقف العقل ينهن سليبا
وخطّى تفضح العقول اتساقاً نظمتها تسرعا ودبيبا
لو غدا الشعر ناطقا بلسان ... لتغنى بوصفها عنَدليبا
أظهرت في المجال من كل عضو ... لعبا كان بالعقول لعوبا
مشهد فيه للحياة حياة ... تترك الواله الحزين طروبا