هذا وقد رأيت بعض من كتبوا عنه غب وفاته يعدون ما تغزل به في المرأة تقليدا واحتذاء، وحجتهم في ذلك أن الشاعر لا يهدف إلى فتاة معينة، وأنا أقول: إن من الخطأ البين ألا نفرق بين ما تفتتح به القصائد من عبارات التشبيب وبين ما يجيش بصدر الشاعر فهتف به. نعم قد يكون الأديب في إنتاجه متجها إلى عناصر غير الحب واللوعة، ولكن هل يكون معنى ذلك أنه تناسى عاطفته التي تختلج في خفاياه، وتتجاهل غريزته التي تموج في خلاياه، فإذا قال غزلا فتنا قيل له من فتاتك؟ ما اسمها؟ وفي أي بيئة نشأت؟ وبأي ثقافة تميزت؟ وإذا مر الشاعر في طري مزدحم، فوقعت عينه على حسناء ساحرة ثم اختفت عنه لجج الزحام الحاشد، دون أن يعلم عنا أي شئ، أتقول له: حطم يراعك، ومزق طرسك، لأن فتاتك غير معروفة باسمها فلا ينبغي أن تنسب بها إلا كنت صانعا أي صانع!! هذا والله شئ عجيب!!
إن شاعراً يحترم فنه كمعروف لا يمكن أن ينشئ غزلا دون أن تشتجر في صدره العواطف، لنا أن نعد من تشبيبه التقليدي ما يجئ عرضا عن المرأة في موضوع خاص، يهدف إلى فكرة خاصة، لا تتصل بالحب من قريب أو بعيد، كقوله في قصيدة (العالم شعر)
وبيضة خدر إن دعت نازح الهوى ... أجاب ألا لبيك يا بيضة الخدر
تهادت تريني البدر محدقة بها ... أوانس إحداق الكواكب بالبدر
فلله ما قد هجن لي من صبابة ... ألفت بها طيّ الضلوع على الجمر
تصافح إحداهن في المشي أختها ... فنحر إلى نحر، وصدر إلى صدر
مررن وقد أقصرت خطوى تأدبا ... وأجمعت أمري في محافظة الصبر
فطأطأن للتسليم منهم أرؤسا ... عليها أكاليل ضفرن من الشعر
فألقيت كفى فوق صدري مسلماً ... وأطرقت نحو الأرض منحنى الظهر
وأرسلت قلبي نحوهن مشيعاً ... فراح ولم يرجع إلى حيث لا أدري
وقلت وكفى نحوهن مشيرة ... ألا إن هذا الشعر من أجمل الشعر
فهذه الأبيات من قصيدة وصفية، نظمها الرصافي ليعلن نأأن الطبعة ديوان شعري ممتاز، وأخذ يقلب صفحات الديوان، فرأى في سكون الليل قصيدة عامرة عدها من (أحسن)