الأموال والأرواح، وسمع أنيناً مؤلما يرن في كوخ بائس فعرفه، حتى إذا بدأ الصبح أتاه، فرأى به أرملة حزينة - هي بطلة قصته - وأمامها طفل جائع تعلله بالطعام، وتدع معروفاً يصف لنا الأم الجائعة وما وقعت فيه من التناقض الغريب، حيث جمعت بين الضحك والبكاء في لحظة واحدة، فهو يقول.
وقفت لديها والأسى في عيونها ... يكلمني عنها وإن لم تكلم
وساءلتها عنها وعنه ... بكاء وقالت أيها الدمع ترجم
ولما تناهت في البكاء تضاحكت ... من اليأس ضحك الهازئ المتهكم
ولكن دموع العين أثناء ضحكها ... هواطل مهما يسجم الضحك تسجم
فقد جمعت ثغرا من الضحك مفعما ... إلى محجر باك من الدمع مفعم
فتذرى دموعا كالجمان تناثرت ... وتضحك عن مثل الجمان المنظم
فلم أر عيناً قبلها سال دمعها ... بكاء وفيها نظرة التبسم
وقلت وفي قلبي من الوجد رعشة ... أمجنونة يا رب فارحم وسلم
ويسير الشاعر فيذكر حنان الأم الرءوم وكيف ضمت إليها ابنها في شفقة وعطفه، وماذا قال لها الطفل وهو يسأل عن أبيه؟ وكيف أجابته بما يريده الشاعر من أقصوصة فوصفت ما دار بين المسلمين والأرمن من مذابح تجري دماؤها باسم الدين؟ استمع إلى كل ذلك في وقوله.
وظلت له ترنو بعين تجودها ... بفذ من الدمع الغزير وتوأم
سلي ذا الفتى يا أم أبن مضى أبي ... وهل هو بأتينا مساء بمطعم
فقالت له والعين تجري غروبها ... وأنفاسها يقذفن شعلة مضرم
أبوك ترامت فيه سفرة راحل ... إلى حيث لا يرجى له يوم مقدم
مشى أرمنيا في المعاهد فارتمت ... به في مهاوي الموت ضربة مسلم
على حين ثارت للنوائب ثورة ... أتت عن حزازات إلى الدين تنتمي
فقامت بها بين الديار مذابح ... تخوّض منها الأرمنيون في الدم
ولولاك لاخترت الحمام تخلصا ... بنفسي من أتعاب عيش مذمم
ومهما يكن من شئ فالمقام لا يسمح أن نلم بغير هذه القصة المشجية، ذات المغزى الرائع،