للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه الشباك جميعاً وهي لا تكاد تخلص من واحدة حتى تتعثر في أخرى. هي مضطرة إذا إلى أن تسالم بعض الشيء وتصانع إلى حد ما، وتنهزم عن خط الدفاع الأول كما يقولون.

وهل كانت هي في نفسها منصرفة عن الفيلسوف حقاً راغبة عن حبه كل الرغبة؟ لست أدري ولكنها على كل حال عجزت عن المقاومة فكتبت إلى أجوست كونت تنبئه بهذا العجز وتظهره على ذات نفسها وتبين له رأيها في التخلص من هذا الموقف الدقيق ورأيها أنها لم تكن تقدر أن أحداً يكلف بها ويتهالك عليها، وأنها هي لا تكلف بأحد ولا تتهالك على أحد، ولكن أملها إن صح أن يكون لها أمل في الحياة، إنما هو طفل تقف عليه حبها وحنانها وقوتها ونشاطها. وهي إذا شاركت رجلاً في الحياة فإنما قوام هذه الشركة الوصول إلى تحقيق هذا الأمل. وهي حريصة كل الحرص على أن يكون شريكها إن ظفرت به رجلا ممتازا مرتفع النفس كبير القلب خليقا بالإكبار. وهي تجد هذه الخصال كلها في الفيلسوف ولا تكره أن تتخذه شريكا في تحقيق هذا الأمل وخلق هذه الطفل. ولكنها لا تريد أن تخدعه ولا أن تغره فهي لا تحبه بالمعنى المألوف لهذه الكلمة وحياتها ليست بالشيء النفيس الذي يحرص الناس على الاشتراك فيه. فهي بائسة تحتاج إلى من يعزيها وهي فقيرة تحتاج إلى من يعولها. وهي لا تحمل لشريكها الا مودة صادقة وإخلاصا لا حد له.

ويقرأ الفيلسوف هذا الكتاب فيجن جنونه وتدور به الأرض ثم تهدأ نفسه، وتشرق في وجهه الدنيا وتبتسم له الأيام. وهل كان يطمع في أن تقبل كلوتيلد منه مثل هذا وترضى أن تكون خليلة وتقاسمه الحياة وتشاركه في خلق إنسان؟ وهو قابل إذا وهو راض وهو سعيد وهو واثق بأن هذه خطوة ستتبعها خطوات وهو يكتب إليها ويمضي كتابه على هذا النحو: زوجك المخلص أجوست كونت.

وتزوره ذات يوم زيارة المستسلمة المستعدة للوفاء بالوعد وإنفاذ هذه الشركة، فيلقاها فرحاً مبتهجا ثم يجلسها ويجثو بين يديها ويقدم إليها صلاة فلسفية حارة. ولكنه عالم لا حظ له من براعة الأدباء ولا من براعة الرجال الذين تعودا عشرة النساء والتلطف لقلوبهن، فصلاته فلسفية، وحديثه بعد ذلك عملي كله وحركاته حين يضطرب في غرفته منظمة قد قدرت تقديراً. فهو لا يرفع شيئاً الا بحساب ولا يضع شيئاً الا على نظام ولا يأتي حركة الا إذا كانت لها علة ظاهرة وتأويل معقول وهو يتحدث عن دخله وعما سيحتاجان إليه من نفقة

<<  <  ج:
ص:  >  >>