وعن ترتيب البيت وعن النظام المادي للحياة. وهو على هذا كله دميم لا جمال في شكله ولا روعة، قصير متقدم البطن مضطرب الوجه. فأين يقع هذا المنظر؟ وأين يقع هذا الحديث؟ وأين تقع هذه الحركات المنظمة من قلب امرأة لم تتجاوز الثلاثين بعد؟ ما أسرع ما ضاقت بهذه الشركة ورغبت عنها، وما أسرع ما ضحكت من نفسها في نفسها، وما أسرع ما استيقنت أنها كانت تحاول أمراً لا قبل لها به ولا قدرة لها عليه، وما أسرع ما نهضت وهي تقول: لقد تقدم الوقت دعني أكتب إليك. وما أسرع ما خرجت من الباب وهبطت السلم وبلغت الشارع ومضت، والفيلسوف ينظر إليها من النافذة. فإذا هي تسرع أمامها لا تلتفت ولا تلوي على شيء وتكتب إلى الفيلسوف بعد ذلك معتذرة متعللة قائلة إنها قد تعجلت الوعد وتبين لها أنها في حاجة إلى التفكير الطويل وأن الخير في أن تمهل نفسها لترى. فلا يكاد الكتاب يصل إلى الفيلسوف حتى يحس أنه قد آذاها بحديثه فيكتب إليها متلطفاً ملحاً. وتمضي هي في إبائها. ويشتد هو في إلحاحه حتى إذا أثقل عليها أجابته في شيء من الشدة والصرامة أنها لا تستطيع أن تبيع نفسها ولا أن تساوم فيها فان كان يقنعك ما أعرضه عليك من المودة الخالصة الطاهرة فذاك ولك أن تلقاني في بيت أسرتي كدأبك من قبل ولا بد لي من ستة أشهر أفكر فيها وأروى وإلا فإني عائدة إلى ما كنت فيه من وحدة وعزلة. هنا يفيق الفيلسوف من ذلك السكر الذي كان قد غمره وملأ عليه قلبه وعقله. ويعود إلى حاله الأولى ليس شديد الرجاء ولكنه ليس يائسا بل هو بعيد كل البعد من اليأس واثق بأن العاقبة له وبأن الفوز لن يخطئه مهما يكن من شيء، سيصبر إذا وسيستأنف حياته الأولى فيلقى الفتاة في بيت أسرتها مرتين في الأسبوع.
وكلاهما سيئ الحال ضيق ذات اليد. أما هي فتبحث عن عمل لتعيش منه أو لترفه به بعض الشيء حياتها الضيقة الخشنة. وهي لا تتردد في أن تشغل مكان السكرتير في مكتب من المكاتب أو عند رجل ذي مال ان ظفرت به. ولكنها لا تظفر بشيء ولا بأحد الا فيلسوفها الذي قد وثقت به واطمأنت إليه. فهي لا تخفي عليه من أمرها شيئاً وهو يعدها بالمعونة ويعرض عليها أن يقرضها ما تحتاج إليه، بل يؤكد لها أن كل ما يملك من المال ملك خالص لها تستطيع أن تأمر فيه بما تشاء. نعم ولكنه هو لا يملك شيئا أو لا يكاد يملك شيئا، أعماله شاقة ونفقاته ثقال والمستقبل أمامه مظلم. هو يلقي دروساً