مندوحة من الإفصاح، أو عنيت الرمز الذي يهرب من النور وليست له معذرة في الهرب منه.
أما الرمز على إطلاقه فليس هو بممنوع ولا مستهجن، وقد بينت أنواعه في مقال بمجلة الكتاب نشر في أول السنة الماضية فقلت فيه بعنوان (مسوغات الرمزية)!
(إن التعبير بالرموز عادة قديمة في تعبير الإنسان، بل عادة قديمة في بديهة الإنسان. فالحالم مثلا يعبر في منامه عن شعور الضيق أو الخوف بقصة رمزية. . والكاتب الذي لم يعرف الحروف الأبجدية يرمز إلى المعاني بالشخوص والرسوم. وكهان الديانات يرمزون ويعمدون كثيراً إلى الكنايات والألغاز. . . والنساك المتصوفون يرمزون لأنهم لا يستوضحون المعاني الغامضة التي تجيش بها نفوسهم في حالة كحالة الغيبوبة. . . وكان بعض الدول يقهر الرعية على عقيدة لا يدينون بها وقد يدينون بغيرها، فيشيرون إلى عقائدهم برموز يفهمونها. . . وقد يكون الرمز اختصاراً لعبارة مفهومة أو صورة ظاهرة. . . فالرمز شيء مألوف في تعبير الإنسان وفي طبيعة الإنسان، ولكنه مألوف على حالة واحدة لا تخلو منها معرض الرمز والكناية، وهي حالة الاضطرار والعجز عن الإفصاح. . . فإذا لوحظت هذه الحالة فالمز أسلوب متفق عليه لا يحتاج إلى مدرسة تنبه الأذهان إليه. فالخيالي لا يستشير مدرسة من المدارس لتشير عليه أن يحلم بالصور والتشبيهات. . . والشاعر لا يعاب إذا مثل لنا الكواكب والأزهار فألبسها ثياب الأحياء. ومن ضاق به اللفظ فعمد إلى التعليل والتشبيه فالناس لا يحسبونه من هذه المدرسة أو تلك؛ لأن المدرسة التي يصدر عنها في هذه الحالة هي مدرسة البديهة الإنسانية حيث كان الإنسان.
هذه الرموز الطبيعية هي الرموز التي نعجب بها كما يعجب بها الأستاذ فريد.
أما الرموز التي وصفناها بالسخف فهي تلك الرموز الملفقة في غير حاجة ولغير علة، إلا ذلك الهراء الذي يتحدثون فيه عن (اللاوعي). . . و (اللاشعور)، ويقولون إنهم يعبرون به عما لا يعيه العقل ولا يحيط به الحس الظاهر، وهي جهالة منهم يسوقهم إليها أن الكلام عن (اللاوعي) وعن (اللاشعور) شيء جديد، وكأنهم يحسبون أن الإنسان قد خلق مجرداً من هذا (الوعي الباطن) أو هذا الشعور الذي لا يعي نفسه قبل أن يتكلم عنه النفسانيون المعاصرون.