للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والواقع أن (اللاوعي) قديم في الإنسان، وأنه قد صدر عنه في تخيله وتفكيره قبل أن نطلق عليه هذه الأسماء، وإذا كان المعاصرون قد كشفوه أو أطلقوا عليه الأسماء فذلك أدعى إلى كشفه وتوضيحه، لا إلى طغيانه على العقل والحس وإلغاء هذا وذاك كأنهما معطلان في تعبير الإنسان وتفكيره، عاجزان عن الإبانة والأداء.

فالتعمية المقصودة لغير علة هي الرمزية السخيفة التي ننكرها ولا نسيغها، وهي وليدة التشدق بالمبتدعات الحديثة في مذاهب علم النفس عن غير فهم ولا تمييز بين ما هو حديث في الكشوف العلمية وما هو حديث في طبيعة الإنسان.

إن الكلام الحديث عن طبيعة العقل كالكلام الحديث عن طبيعة النظر أو حقائق النور والإضاءة، ونحن لا نغير نظرنا إلى الأشياء لأننا عرفنا عن دقائق العين ما لم نكن نعرف، وكذلك لا نغير شعورنا بالدنيا لأن علماء النفس أطلقوا على الملكات النفسية فينا أسماء لم يعرفها الأقدمون.

ولكن هذه الطائفة التي تسمى نفسها بالمدرسة الرمزية تظن أننا قد خلقنا خلقاً جديداً بعد ظهور تلك المصطلحات على الألسنة فتلغي ما كان من تفكير وتعبير لغير سبب، وتتعمد أساليب التعمية لأنها سمعت أن الوعي الباطن غير الوعي الظاهر، وهما في الحقيقة قد كانا كذلك منذ أول الزمان.

فليكن في الأدب (رامزون)، لأن الرمز أقرب إلى التوضيح والتأثير.

أما الرامز الذي تظهر له الحقائق فيضع يديه على عينيه لكي لا يراها، فهو لا يرينا شيئاً قط يستحق أن نراه.

وقد سألني مندوب الزمان أيضاً عن كلية الآداب، فقلت له إن هذه الكلية لم تخرج أديباً واحداً منذ نشأت، وأن الشبان الذين نبغوا منها في الأدب قد نبغوا بجهودهم وملكاتهم علىالرغم من سوء التعلمي هناك، وقيامها في الغالب على قواد الانتفاع وحب الظهور.

وسئل الأستاذ أبو حديد فقال: (أوافقه بتحفظ. وهذا التحفظ يرجع إلى أن الجامعة المصرية وليدة ربع قرن فلا ننتظر منها بعد ما ننتظره في ربع قرن آخر، وأملي أن تكون النتيجة طيبة).

ولست أريد أن أخالف الأستاذ في هذا التحفظ إلا بما يرضيه ويرضي الحقيقة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>