السوداء. ومعنى هذا أن عبد الله بن السوداء شخص آخر غير عبد الله بن سبأ كما جاء ذلك لدى البغدادي. وأعتقد أنه لا داعي إلى هذا التبديل فلعل (ابن السباب) من (السبابية) وهي إحدى المصطلحات القديمة التي كانت تطلق على الجماعة التي كانت تسبُّ قسماً من الصحابة. وعلى كل فنحن لا نعرف أي شيء عن هذا الشخص الذي سماه الرواة (عبد الله بن السباب) ولا عن الشخص الآخر الذي سمَّاه صاحب العقد الفريد (ابن كروّس)
ويذهب أكثر الرُّواة إلى أن (عبد الله بن سبأ) هو من أهل اليمن. وقال بعضهم أنه من حمير؛ ولذلك قيل له (الحميري) وقد عرف (كعب الأحبار) وهو يهدي مسلم بالحميري كذلك؛ غير أننا لا نستطيع أن نقطع بأنه كان من حمير أي من صميم (حمير) فيجوز أن يكون من المنتسبين إليها بالولاء. وهنالك رجل آخر له شهرة في التأريخ قيل عنه أيضاً إنه كان يهودياً أو من أصل يهودي، هو (وهب بن منبه) ثم أسلم أو أسلم أهله. وقد ميز عن صاحبيه بلقب هو (الأبنوي) ويعني هذا اللقب أنه كان من (الأبناء) أي من أبناء جنود الفرس الذين كانوا قد جاءوا إلى اليمن قبل الإسلام لطرد الأحباش. وزعم الطبري في تأريخه أنه كان من أهل صنعاء أما الشعبي فقد ذهب إلى أن عبد الله بن السوداء كان من أهل الحيرة. ونحن لا نستطيع رفض رواية الطبري كما لا نستطيع قبولها. ولا نستطيع أيضاً تصديق رواية الشعبي ولا تكذيبها. حتى أننا إذا ما أخذنا بالرواية الثانية فإنها لا تتعارض مع الرواية الأولى إذ يجوز أن يكون من أصل يماني هاجر إلى الحيرة في العراق. كما أن من الجائز أن يكون اسم (سبأ) هو الذي أوحى إلى الرواة بهذه القصة قصة موطن (عبد الله) وانتسابه إلى اليمن ومن اليمن في صنعاء.
وأستطيع أن أقول وأؤكد أن اشتهار (عبد الله) بابن السوداء لم تكن شهرة تسره، كما لم تكن شهرة تسر أتباعه إن كان له أتباع حقاً. وقد استعملت هذه الكلمة دوماً للتحقير والازدراء. وقد عير بها (عمار بن ياسر) حينما تجاسر وتطاول على الخليفة عثمان بن عفان فكان من جملة ما قاله الخليفة (ويلي على ابن السوداء! لقد كنت به عليما) وقد عير بها (المقداد ابن الأسود) فقيل له (يا ابن السوداء). ولما غضب أبو ذر الغفاري على كعب الأحبار قال له (يا ابن اليهودية) و (يا ابن السوداء).
ويكاد يكون في حكم الإجماع بين الرواة الذين ذكروا خبر عبد الله بن سبأ أنه كان يهودياً.