الدين) يبين بجلاء أنه لم يكن الطريق الذي عناه في رده الأول ووصفه بأن تحريم تعدد الزوجات بواسطته (كان مطلباً سهلا لا يحتاج إلى ما تكلفه (الباشا) في أمره)، والذي تنطبق عليه هذ الأوصاف كلها إنما هو الطريق الذي فهمناه من رده الأول وأشرنا إليه فيما تقدم.
والظاهر أن الأستاذ قد استشعر - قبل سواه - هذا التغاير التام بين الطريقين وأنه لا يستساغ معه اعتبار ثانيهما تحريراً للمراد من الأول، فحاول أن يعقد بينهما وشيجة قربى إذ قرر في ختام رده الأخير ما يتضمن أن العلاقة بين الطريقين علاقة الفرع بأصله. فالطريق الذي قررنا أنه هو ما عناه في رده الأول ولايمكن أن يكون قد عنى سواه، متفرع - في رأيه - على الطريق الوارد في رده الأخير ولا يعدو أن يكون (تنظيما فيه أو استثناء له من ولي الأمر بما له من حق التحريم والمنع. ولعل مما يدعو إلى هذا أن الناس لم يتهيأوا بعد لفهم هذا الحق. . . الخ) والواقع خلاف ذلك لأن الطريقين متغايران - كما قدمنا - تمام التغاير، ولا يمت أحدهما إلى الآخر بالصلة التي حاول الأستاذ عقدها بينهما ولا بما يماثلها. فهما وإن كانا من حق ولي الأمر - فيما يرى الأستاذ - إلا أن حقه في كل منهما لابد من إرجاعه لأصل مغاير لأصل الآخر؛ فحقه في منع عماله من تحرير وثائق أو سماع دعاوي معينة راجع إلى (سلطته التنظيمية) عليهم باعتبارهم أدواته في مباشرة (ولايتي التنفيذ والقضاء). أما الحق المنسوب له في التحريم فلا مندوحة من إرجاعه إلى (لسلطة تشريعية) لولي الأمر تتعلق بأفعال المكلفين عامة مما يقتضيه تعريف الحكم الشرعي.
وحتى على التسليم بأن طريقه الجديد مما يصح اعتباره تحريراً لمراده بالطريق الأول، فهو مع ذلك غير مؤد إلى الغاية التي قصد إليها إلا وهي التدليل على دعواه أننا نملك تحريم تعدد الزوجات، إذ لم يرد عن أحد من القائلين بحق ولي الأمر في النهي عن المباح أن هذا يجري فيما وردت بحله نصوص (تفصيلية) محكمة في الكتاب والسنة كما هو الحال في تعدد الزوجات (وليست هذه النصوص - فيما أعتقد - موضع خلاف بيني وبين الأستاذ عبد المتعال)، ولا تفيد عباراتهم جريانه الا فيما هو من قبيل (المصالح المرسلة) التي لم يشهد لها الشارع بحل ولا بحرمة فتكون - قبل نهي ولي الأمر - على أصل