آمن فيها بالله وبين تلك التي أنكر فيها الله، وجد الأولى نيرة فيها شفاء للنفس، ووجد الثانية مظلمة فيها العناء، ولكن الإيمان بالله شيء، والإيمان بما تقول الكنيسة الأرثوذكسية شيء آخر. . .
ولا يزال يطيل القراءة في العقيدة الأرثوذكسية، ولا يزال يقرأ الأديان جميعاً في كتبها، ولا يزال يزور الأماكن المقدسة علها توحي إلى نفسه الإيمان، ومن ذلك مدينة كييف وما تزدحم به من كنائس وأديرة قديمة. ولا يزال يستفهم القسيسين والطيبين من الطاعنين في السن من الناس. ولا يزال يقيم الشعائر ويعظمها. . ثم لا يعود من ذلك جميعاً بشيء إلا الجحود بما تقول الكنيسة.
تلك حال ترلستوي وما صنع في تلك السنوات التي أعقبت زواجه حتى أتم كتابه (أنا كارينينا). ثم تلقى الضربة التي جعلته يتخبط في الظلام، والتي جعلته يلقى بعيداً بحبل كان في متناوله مخافة أن يشنق نفسه، ويجعل دون بندقيته قفلاً غليظاً كيلا يصوبها إلى قلبه. وما تلك الضربة إلا أنه بعد طول عنائه يرى الحياة لا شىء، ولكم يزعجه اللاشىء ويوبق روحه ويرعزع فؤاده!
ولكن إذا كان لا يحب أن يقتل نفسه فما معنى أن يستسلم لليأس؟ وكيف يحيا إذن ويطيق حياته إذا كان لا يرضى الموت ولا يرضى الحياة؟
إذن فليجاهد على وعورةّ الطريق وبعد الشقة وظلمة المفازة، ليجد معنى للحياة ترتاح له نفسه، ويسعد به البشر. ولئن وقف به ما سلف من جهاده وقفة التائه الذي يخيفه الفضاء والظلام، فلخير له أن يمضي لعله يجد بعد الضلال هدى وبعد العذاب راحة. ولأن يتحمل وعثاء السفر مهما عظمت أهوَن عليه من هذه الوقفة التي تكاد تلقيه في قرار سحيق. .
لقد قضى من عمره قرابة ثلاثين عاماً يعمل للفن، فليقض ما بقى من عمره عاملاً على تقرير معنى الحياة، وليس ما يمنع أن يكون الفن أداته فيما هو قادم إذا لزم الحال. . .
وسوف يعمل تولستوي دائباً ناصباً، حتى ليعد جهاده في سبيل غايته من أروع فصول الكفاح في خطى البشرية، فليس أبلغ في معاني البطولة من تحمل مثل ما سوف يلقاه من عذاب، ولا من الصبر على مثل ما سوف يعترض له من صعاب. ولسوف يغدو تولستوي في تاريخ الفكر الحديث، والأدب الحديث، والفن الحديث، بجهاده الهائل منقطع القرين في