يا للحيرة! إن العقل يفضي به إلى إنكار الحياة نفسها، وإن الإيمان يقضي أن يعطل العقل. . . أي بلاء هذا؟ وأي ليل معتم!
ولكنه علم فيما علم قول المؤمنين إنه لابد من إعداد النفس للإيمان حتى تؤمن؛ وإذاً فليدع العقل جانباً وليناقش رجال الدين، ولينظر في كلامهم لعله يصل إلى قلبه، وليقرأ ما كتبه آباء الكنيسة، وليطالع سير القديسين، وليتعبد فيقيم الشعائر جميعاً، وليزر الأديرة، وليذهب إلى الأب الصالح أمبروز، ذلك الذي كان يستعينه جوجول والذي استعانه دستويفسكي وسولوفييف؛ وفعل ذلك جميعا ولكن الشك مازال يأخذ بخناقه ويكاد يزهق روحه. . .
ويقرأ العقيدة الأرثوذكسية، وكلما أمعن فيها سخر منها وبعد عن التصديق بها. فما هذا التثليث؟ وما هذا التحول إلى دم المسيح ولحمه؟ وما تلك المعجزات التي تنسب إلى القديسين؟ وما تلك الأدعية والصلوات والطقوس؟ أذلك مما يقبله العقل؟ كلا ثم كلا
ثم يحاول أن يطرد الجحود من نفسه فربما كان الجحود هو ما يحول بينه وبين الإيمان. ويقول لنفسه دائما إنه مستعد لأن يؤمن. قال في كتابه (اعتراف) يصف ذلك: (لقد اتجهت صوب الإيمان لأني لم أجد شيئا خارجه إلى الخراب. وعلى ذلك فما دمت لا أستطيع أن أطرح عقيدتي جانبا فقد صدقت وخشعت. وقد أحسست في قلبي من القنوت والخشوع ما جعلني أفعل ذلك. ثم إني عدت فخشعت وازدردت الدم واللحم من غير سخرية في نفسي رغبة مني في أن أصدق؛ ولكني أذكر ما مر بي من صدمة وأرى ما ينتظرني فيما هو قادم، فلا أملك أن أظل مصدقا).
وإذ يرى نفسه في بحر لجي من الحيرة يسأل نفسه: ماذا يريد أن يعرف على التحديد ليلتمس السبيل إلى معرفته؟ فيكتب على رقعة: لماذا أنا حيّ؟ ما سبب حياتي وحياة غيري من الناس؟ وما هدف حياتي وحياة غيري؟ ماذا تعني ثنائية الخير والشر التي أحسها في نفسي؟ ولماذا هي قائمة فيها؟ وعلى أي وجه ينبغي أن أحيا؟ وما الموت؟ وأهم من ذلك كله وأكثره تعقيداً كيف أنجي نفسي؟ ذلك أني أحس أني هالك، فإني أعيش ثم أموت؛ وإني أحب الحياة وأخاف من الموت، فكيف أنجي نفسي؟)
وإذا لم يبق له إلا الدين والإيمان، فأي أيمان؟ إنه إذا قارن في نفسه بين تلك الأوقات التي